تقرير استقصائي يكشف بالوثائق مصير مليارات الدولارات المخصصة للمساعدات الإغاثية في اليمن
منذ كشرت الحرب عن أنيابها كان الفقراء من أبناء اليمن هم الضحية الأكثر تعرضاً لتبعاتها الثقيلة والذين تحولوا بعد ذلك إلى بضاعة يسيرة تتاجر بهم الأمم.
منظمات أظهرت وجهاً ملائكياً لطيفاً سرعان ما تحول من منقذٍ يحمل آمال البائسين إلى شبحٍ يقوض أحلام الجوعى ويسلب الذين ابتلاهم الله بنقص من الأموال والأنفس والثمرات صبرهم، وأخفت وجهاً مليئاً بالثقوب السوداء التي التهمت قوتهم ونادت “هل من مزيد؟!”.
أصيبت الطفلة سعاد مالك (11 عاما) من مديرية عبس في محافظة حجة شمال غرب البلاد، بإسهال مائي حاد أواخر العام المنصرم 2018، تبيّن من خلال الفحص الذي أجري لها في الوحدة الصحية التابعة لمديرية عبس أنه ناتج عن تناولها طعاماً ملوثاً وفاسداً، قال والدها بعد ذلك إنه كان عبارة عن «بسكويت من منظمة إغاثية محلية توزع مساعدات يقدمها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذي يعمل في اليمن منذ العام 2015».
وكان مندوبو المنظمات الشريكة للبرنامج في مديرية عبس قاموا بتوزيع 20 كرتونا من البسكويت من بين 120 تم ضبطها بعيد ذلك من قبل مكتب الصناعة والتجارة بحوزة الأهالي الذين قدموا شكاوى من تسوس تلك الكميات، وأكدت لجنة معينة من مكتب الصناعة وقتذاك لفحص الكمية أنها تالفة ومتسوسة وتحتوي على ديدان.
سعاد ليست الوحيدة!
سعاد واحدة من بين آلاف الطالبات اللائي أصبن بتسمم غذائي جراء تناولهن للبسكويت الذي يقدمه مشروع التغذية المدرسية في المنطقة وكثير من المحافظات اليمنية ففي مدراس مديرية الشمايتين جنوبي تعز قالت مصادر محلية لـ «الثورة» «إن عدداً من الطلاب في سبع مدارس في المديرية أصيبوا بحالات تسمم بعد تناولهم لمواد غذائية، من قطع بسكويت محشوة بالتمر وزعها برنامج الغذاء العالمي في مارس/ أذار من العام الجاري على الطلاب ضمن مشروع التغذية المدرسية»، فيما أفاد مكتب التربية في المديرية أن «المعاينة لتلك الوجبات كشفت أن الكثير منها معطوبة أو مسوسة، وتحتوي على ديدان في بعض العينات، انتهت بالكميات المتبقية في مخازن المديرية إلى التحريز».
لا تقتصر الأغذية التالفة التي يوزعها برنامج الغذاء العالمي عن طريق شركائه من المنظمات الداخلية على بسكويت يتم توزيعه عبر «التغذية المدرسية»، بل إن معظم المواد الإغاثية التي يوزعها تكاد لا تخلو من إصابتها بتسوس وديدان أو تعرضها للشمس بشكل مستمر أو أنها رديئة من بلد المنتج أو حتى مقاربة على الانتهاء ويؤدي سوء تخزينها ونقلها بين المحافظات إلى تلفها فتصبح غير قابلة للاستهلاك الآدمي.
شحنة تالفة غير صالحة للاستهلاك الآدمي
بعد ستة أشهر من تسمم الطفلة سعاد التي تدرس في الصف الخامس من مرحلة التعليم الأساسي، أعلنت جمعية حماية المستهلك أن شحنة تحتوي على 163 ألف كيس دقيق تابعة لبرنامج الغذاء العالمي وصلت إلى ميناء الحديدة تم رفضها يوم 18 مايو/ أيار الجاري من قبل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس؛ كونها «تالفة ومتسوسة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي» حسب تعبير الجمعية التي أضافت في بيان حصلت «الثورة» على نسخة منه: إن «البرنامج استورد 15 ألف كيس فارغ للدقيق خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، وتم رفضها من قبل هيئة المواصفات بسبب كتابة تاريخ الإنتاج والانتهاء وبلد المنشأ مسبقاً على الأكياس الفارغة».
لم يقتصر الأمر على ذلك حيث «تم ضبط وتحريز 24 ألفا و570 كيس دقيق منتهي الصلاحية في مخازن برنامج الأغذية العالمي خلال حملة حماية المستهلك التي نفذتها وزارة الصناعة والجهات الحكومية في صنعاء من الفترة من 16 شعبان وحتى 16 رمضان الحالي، وعاينت مخازن في مختلف المحافظات، وكذا تم إتلاف 90 طن دقيق غير صالح للاستهلاك من قبل هيئة المواصفات» حسب تعبير الجمعية التي أكدت أن «هذه الكميات المخالفة والمنتهية الصلاحية هي لشهر واحد فقط، وهكذا بقية العام وفي السنوات الماضية تهدر برامج المساعدات بسلع منتهية ومخالفة للمواصفات القياسية»، ودعت وزارة الصناعة المانحين إلى إعادة «تقييم دور برنامج الغذاء العالمي وعمل آلية جديدة تتمثل بالمساعدات النقدية عبر البنوك والبريد تدريجياً لشريحة المنضوين في إطار برامج المساعدات، واستبدال عملية الاستيراد بشراء منتجات الدقيق والزيوت والبقوليات من المنتجين والمصنعين اليمنيين لاستقرار العملة الوطنية وخلق فرص عمل جديدة للحد من البطالة ووصول منتجات غذائية سليمة وصالحة للاستهلاك الآدمي في بلد يمر بظروف مأساوية».
في مايو 2017، اعترف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بإيصال شحنة مساعدات فاسدة إلى عدن تقدر بنحو 32 ألف طن من القمح، وبحسب بيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي، فإن سفينة محملة بنحو 32 ألف طن متري من حبوب القمح تكفي لنحو 2.5 مليون شخص لمدة شهر، وصلت إلى ميناء عدن خلال أبريل / نيسان 2017 كجزء من المساعدات الغذائية الطارئة، إلا أن جزءا من الحمولة فسد بسبب تعرضها للتلف من مياه البحر.
تحقيقات قضائية
حصلت صحيفة «الثورة» على وثائق لمحاضر تحقيقات قام بها وكيل النيابة في مديرية عبس علي الشمري في مركز المديرية وعزلة بني حسن ومنطقة شفر، تبين من خلالها وجود كميات كبيرة من الأغذية التالفة في مخازن الغذاء العالمي.
ففي مخازن عبس سجل محضر التحقيق، بحضور ممثل المنظمة محمد النعمي ومدير مكتب الصناعة والتجارة يحيى أحمد وممثل المجلس المحلي علي صوعان، وجود 2024 كيسا تالفا من القمح سعة 50 كيلوغراما وقد سجل عليها تاريخ الإنتاج في مايو/ أيار 2018، وأفاد ممثل المنظمة أن «هناك 286 كيسا من العدس سعة 50 كيلوغرام صالحة وغير تالفة ويجب عزلها عن القمح التالف بالإضافة إلى ستة أطنان من الزيت أي 370 علبة صالحة حتى أغسطس/ آب من المقبل في مخزن واحد فقط من مخازن البرنامج»، وأضاف النعمي إن «تلك الكميات يجب أن توزع في أقرب فرصة قبل أن تتلف في مخازنها».
وفي مخازن مطاحن تهامة ومخازن العامري التابعة لمنظمة الغذاء العالمي كشف تحقيق قضائي آخر، «وجود نحو 500 كيس من القمح تالفة من بين 1384، وقد تم توزيع 460 منها فيما تبقى 140 في العراء معرضة للشمس والرطوبة والأمطار، وقد وجد عليها بعض الحشرات وتم تصنيفها بأنها مسوسة وغير صالحة للاستخدام الآدمي»، وأفاد صاحب مطاحن تهامة – ماجد الشرفي – الذي كان حاضراً أثناء التحقيق «أن هناك كميات كبيرة ما تزال مخزنة في الهناجر وهي مسوسة بالإضافة إلى كميات من العدس معرضة للانتهاء، وبلغت الكمية المخزنة في الهناجر 27429 كيسا من القمح التالف ونحو 1095 كيسا من تغذية (بلمى)»، رفعت الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث تقريراً عنها إلى المجلس الدنماركي (شريك البرنامج) بتاريخ السادس من مايو/ أيار الجاري لاستبدالها بمواد سليمة وتوزيعها بسرعة عاجلة كون وضع الأسر في حالة لا تتطلب التأخير.
فاصوليا وبقوليات فاسدة
كما حصلت «الثورة» على وثائق حصرية لنتائج فحوصات أجراها مكتب الصناعة والتجارة في مديرية سنحان وكشفت المكتب أن نحو 707 أكياس من الفاصوليا التركية عبوة 30 كيلوغراما موقوزة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، وقد وزعها برنامج الغذاء العالمي على تسع مدارس في المديرية التابعة لمحافظة صنعاء، فيما أكد مكتب الصناعة والتجارة في مديريتي سنحان وبني بهلول أن الكمية المضبوطة في المديريتين بلغت 36 طنا و285 كيلوغراما.
مخاطبة البرنامج
يقول فيصل مدهش – وكيل قطاع التنسيق في الهيئة الوطنية – لـ «الثورة» أن الهيئة «خاطبت البرنامج أكثر من مرة سواء من المكتب الرئيسي أو من الفروع في المحافظات كما تم الاجتماع كذلك مع البرنامج عدة مرات حول الأغذية الفاسدة، والكميات الهائلة من تلك الأغذية التي لا تصلح للاستهلاك الآدمي، وحدثت نقاشات مستفيضة مع البرنامج الذي أرجع السبب لعملية التخزين والنقل والعرقلة التي تواجههم في الموانئ اليمنية من قبل تحالف العدوان»، مضيفاً إن «لتلك الأغذية الفاسدة أثرها على آلاف الأسر المستفيدة التي كانت مخصصة لها والتي حرمت من المساعدات الشهرية في حجة وعمران وتعز وأمانة العاصمة وصنعاء وفي أغلب المحافظات اليمنية بشكل عام».
ولعل من المناسب العودة إلى أسباب تلف تلك المساعدات التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي في اليمن، يقول وكيل وزارة الصناعة والتجارة لقطاع التجارة الداخلية عبدالله عبدالولي نعمان لـ «الثورة» إن اختيار «منظمة الأمم المتحدة لممثليها الداخليين غير مناسب، حيث يقوم أولئك الشركاء بتخزينها لأسباب لا نعلمها»، متسائلاً «هل هناك مستفيدون داخليون يطلبون منهم ذلك، أي يقولون لهم احجزوها لنصرّف بضاعتنا الشبيهة بها على حساب جوع المواطنين؟»، وأضاف «هذا ما نحتاج أن نعرفه، ونحن نتمنى في وزارة الصناعة لو أن الوزارة كانت من ضمن قائمة من يحدد طبيعة المساعدات وأمن الغذاء».
تهديدات بوقف المساعدات
وكان برنامج الغذاء العالمي قد هدد بإيقاف عملية توزيع المساعدات الإغاثية للمستفيدين بحجة إعاقة قيادات في صنعاء، تهديد كاشف يعكس حجم الفساد داخل المنظمة والذي تحول إلى حالة ابتزاز ومساومة على أقوات اليمنيين، واضعة شروطا تعسفية في أمام إيصال المساعدات نقدا إلى المستفيدين، كشفت مصادر أن برنامج الغذاء اشترط للقبول بإيصال المساعدات نقدية أن ترفع إليه بياناتهم متضمنة البصمة والصورة وهو طلب قالت الهيئة الوطنية العليا لمواجهة الكوارث، بأن تسليم بيانات المستفيدين إلى جهة محلية كالبريد أو بنك محلي، وهو الأمر الذي رفضته منظمة الغذاء بذريعة أنها تريد أن تتأكد منها، طرحت الهيئة الوطنية بأن بيانات المواطنين وخصوصياتهم حق سيادي واشترطت أن تسلم إلى جهة متفق عليها، ورأت في تهديدات البرنامج، بأنها عملية ابتزاز للشعب اليمني في قوته، يقول فيصل مدهش إن «عملية التسجيل الجديدة لم تتم حتى الآن، وخلافنا مع البرنامج هو حول نظام البيوميتري «البصمة والصورة « الذي يريد أن يقوم به البرنامج لكل المستفيدين»، وقد رفضت الهيئة ذلك «لأن أخذ البصمة والصورة للمواطنين حق سيادي وأجهزة الدولة فقط من لها الحق فقط في تنفيذه، وليس من حق البرنامج أخذ صور وبصمات المستفيدين ومشاركتها مع المانحين ومنهم قوى العدوان على اليمن حسب ما يريد» كما أكد مدهش.
افتراءات الغذاء العالمي وفضيحة المساعدات الفاسدة في الصلو بتعز
وفي الوقت الذي قال فيه البرنامج إن المساعدات الإغاثية في اليمن تتعرض للسرقات واستشهد على أقواله بمديرية الصلو في محافظة تعز جنوبي غرب اليمن فإن وثيقة حصلت «الثورة» عليها تثبت أن الكميات التالفة في مديرية الصلو لم تتعرض للسرقة ولكنها تأخرت نتيجة رفض بعض مدراء المدارس إعادة الكميات التالفة إلا بعد وصول الكميات البديلة، وصرف بعض منها إلى جانب عدم تسلم الشركة المقاولة بنقل المساعدات إحصائية الأكياس التالفة والمدارس المنقولة منها والمراكز التي قامت بصرفها من قبل برنامج الغذاء والتغذية المدرسية، وهي وثائق رسمية رفع بها مكتب وزارة الإدارة المحلية في تعز إلى برنامج الغذاء في السابع من أبريل/ نيسان الفائت وكشفت وثيقة أخرى صدرت اليوم التالي عن برنامج الغذاء تلقيه بيانات السائقين وحمولتيهما اللتين رفع البرنامج بهما مذكرة لطلب ترخيص مرور لقاطراته.
مخاطبة لوكوك
وفي مذكرة رفعها رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية أحمد محمد حامد إلى السيد/ مارك لوكوك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فإن «المواد الغذائية منتهية الصلاحية التابعة للبرنامج تضمنت (دقيق القمح وصويا وحلاوى طحينية ومغلفات تغذية وبقوليات ومكملات غذائية ومواد غذائية) فيما المواد منتهية الصلاحية تضمنت (قمح وصويا وبسكويت تمرية وبسكويت جلكوز عالي الطاقة وتغذية علاجية)»، وأضاف حامد وهو مدير مكتب رئاسة الجمهورية – في المذكرة – إن «مثل هذه المخالفات تعد «نموذجاً صارخاً لمجموعة من الممارسات التي قد تؤثر على طبيعة العلاقة القائمة بين المنظمات والسلطات الرسمية، وستنعكس سلباً على الوضع الإنساني المتدهور في عموم محافظات الجمهورية اليمنية».
حرمان متعمّد
خلال الأربعة الأشهر المنصرمة أحرم برنامج الغذاء العالمي نحو 31320 أسرة في عبس من حصصهم الغذائية لأشهر فبراير/ شباط وأبريل/ نيسان ومايو/ أيار، فيما مخازنه في تلك المناطق تعج بالمساعدات التي تلفت بعد ذلك بسبب تخزينها وحرمان المواطنين منها.
ولا يقتصر حرمان المواطنين المحتاجين عند هذه النقطة بل إن الآلاف من الإضافات الأخيرة لأسر تكابد الفقر والعناء والتي رفعت بها الهيئة الوطنية كشوفات إلى برنامج الغذاء والتي جمعها شركاؤه المحليون لم يتم الصرف لهم بل لم تضمنهم المنظمات في كشوفات المستفيدين لديها دون أسباب.
قرى منسية
في عزلة بني حسن في عبس «قامت جمعية التكافل وهي شريك برنامج الغذاء بحرمان قرى بأكملها من المساعدات، فلم يتم تسجيلها رغم وجود أسر فقيرة فيها، واقتصر عمل الجمعية، التي من مهمتها التحقق من تسجيل المستفيدين، على زيارات ميدانية فقط زادت من حدة الشكاوى في قرى المديرية ولم تشمل كافة القرى ولم تخرج بأي نتيجة، مع العلم أن الجمعية قامت بالصرف في بعض القرى في العزلة دون إشعار الهيئة الوطنية بذلك أو إرسال جدول التوزيع أو الجلوس معهم لوضع آلية مناسبة للصرف ولذلك طالبت الهيئة بوقفه في المنطقة» بحسب وثيقة أرسلها مكتب الهيئة إلى صنعاء.
وتعد هذه الممارسات المجحفة بحق آلاف الآسر الفقيرة واحدة من الممارسات السلبية لشركاء برنامج الغذاء في اليمن الذي زادت حدتها في الأشهر الأخيرة رغم مخاطبة البرنامج ومنظمة الأمم المتحدة بتلك المخالفات المتعمّدة ونتائجها السلبية على المجتمع اليمني في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه البلاد جراء الحرب العدوانية التي تشنها المملكة العربية السعودية وشركاؤها في المنطقة كالإمارات والكيان الصهيوني والشركاء الأجانب من الدول الأوروبية وأميركا على اليمن منذ أكثر من أربع سنوات، ويضاف على ذلك التأخير في رفع كشوفات المستفيدين من قبل شركاء البرنامج في المديريات على مستوى البلد، رغم كافة التوجيهات التي تصدرها السلطة في صنعاء لمختلف المحافظات التي تديرها؛ للتعاون مع شركاء برنامج الغذاء وتسهيل مهامهم بما يضمن تنفيذها وفق الآلية المتفق عليها بين الهيئة والبرنامج وبما يحترم خصوصية المستفيدين.
آلية عمل
ويقوم شركاء برنامج الغذاء بتسجيل وإعداد قوائم المستفيدين وتوزيع وصرف واستيراد ونقل وتخزين المساعدات المقدمة دون أي تدخل للسلطات فيها إلا بشكل إشرافي، على عكس ما يدّعي مدير برنامج الغذاء الذي حمّل صنعاء مسؤولية عرقلة وصول المساعدات إلى المواطنين، علاوة على ذلك يقوم البرنامج بالرقابة مباشرة أو من خلال طرف ثالث شريك، بل أكثر من هذا يقوم مكتب الغذاء العالمي في الأردن بإجراء الاتصالات المباشرة مع المستفيدين من المساعدات الغذائية المقدمة؛ بحجة التأكـد من وصول المساعدات كشكل من أشكال الرقابة الداخلية، وتقوم الجهات المانحة الدولية لبرنامج الغذاء العالمي باختيار طرف ثالث للقيام بعملية الرقابة على تقديم المساعدات كشكل من أشكال الرقابة الخارجية، ولا يملك البرنامج أن يختار الطرف الثالث الذي يتم اختياره وفرضه مباشرة من قبل المانحين من بينهم السعوديّون والأمريكيون (شركاء العدوان على اليمن).
فساد مالي يسرق أقوات المواطنين
تكلفة مضاعفة
يعلم القائمون على برنامج الغذاء العالمي بذلك الفساد، والذي من صوره أيضا تقليل كميّة الحصة الغذائية المقدمة للأسر المستفيدة، لزيادة أرقام الأسر وعدد الأفراد المستهدفين بدلاً عن زيادة كمية المساعدات هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقدم البرنامج خططاً شهرية بالكميات المخصصة للمحافظات، وفي الغالب لا تصل كل تلك الكميات إلى المناطق المستهدفة ونقاط التوزيع وفقاً للكميات المحدّدة في إطار الخطط الشهرية، وهناك العديد من الحالات الموثَّقة، يضاف إلى ذلك الفساد الكبير المتعلق بالتكلفة الفعلية للسلة الغذائية، فضلاً عن سلسلة التكاليف المضافة لتقديم المساعدة التي تتجاوز القيمة الفعلية للسلال الغذائية بنسبة قد تصل 500 % كأقل تقدير بحسب خبراء محليين، فعلى سبيل المثال، هناك بيانات موثّقة منها بيانات مشروع واحد يتمثل في تكاليف تتجاوز نصف مليون دولار لتوزيع عشرة آلاف سلة غذائية فقط في منطقة واحدة في محافظة حجة.
في أواخر العام الماضي تبرعت إحدى الدول بمبلغ 750 الف يورو، وعبر الغذاء الذي نفذ مشروعا إغاثيا بخمسين ألف يورو، ورصد سبعمائة ألف يورو من المبلغ ضمن نفقات المشروع التشغيلية.
حرب نفسية
ومن الممارسات التي يرتكبها برنامج الغذاء وشركاؤه، استيراد المواد الغذائية الملصق عليها شعارات دول العدوان على اليمن وهي مخالفات تندرج ضمن عملية الحرب النفسية التي لجأت إليها تلك الدول مع فشلها العسكري في تركيع وإذلال الشعب اليمني الذي يدخل عامه الخامس في الحرب متحدياً المعتدي الذي سلبه قوته وفرض عليه حصاراً برياً وبحرياً وجوياً خانقاً.
غسيل أموال وتهرب ضريبي
في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري كشفت وثيقة رفع بها قطاع النافذة الواحدة في الهيئة الوطنية إلى وكيل التخطيط والبرامج في الهيئة بعض التجاوزات الخطيرة التي يمارسها شركاء البرنامج في ظل العدوان، وما يمكن أن تخلفه تلك التجاوزات من أضرار خطيرة بالأمن القومي الداخلي والتي منها «عدم التزام الشركاء بالأوقات والمسارات المحددة في التصاريح الصادرة من الهيئة الوطنية ما يعرضها للاحتجاز من قبل اللجان الأمنية في مناطق التجاوزات» كما جاء في الوثائق المرفقة للتحقيق، والتي كشفت أيضاً نقل شركاء البرنامج «المواد الغذائية التابعة للوكالة التجارية الخاصة بالتجار للتهرب من الرسوم الجمركية والضريبية ومنها (زيت طبخ الباشا) التابع لوكالة داديه للتجارة العامة» وهي مخالفة قانونية وأمنية كبيرة ومخلة بالاتفاقيات.
ثلاثة مليارات دولار..أين الفلوس؟
وفي أبريل/ نيسان المنصرم أطلق مجموعة من النشطاء حملة إليكترونية تحت هاشتاج «#وين_الفلوس» للمطالبة بكشف مصير المساعدات الإغاثية التي تتلقى الأمم المتحدة مليارات الدولارات من المانحين لجلبها كوسيلة للتخفيف من حدة الوضع الإنساني في اليمن، وتعزيز مبدأ الشفافية في التعامل بين المنظمات الخارجية والشركاء الداخليين، انتهت تلك الحملة بتصريحات مدير برنامج الغذاء الابتزازية.
ونشر النشطاء اليمنيون قائمة بأسماء 62 منظمة دولية ومحلية ممن تلقت مبالغاً خيالية من الدعم الدولي باسم الإغاثة لليمنيين المحتاجين وفي مقدمتها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وطالبوا المنظمات بضرورة الكشف عن مصير هذه المبالغ التي ابتلعها ما أسموه بـ “الثقب الأسود” لهذه المنظمات والتي لا يصل إلى المحتاجين سوى عشرين في المئة منها، حيث ذكرت مصادر إعلامية آنذاك أن هذه القائمة من المنظمات الدولية والمحلية تلقت منذ بداية الحرب نحو 23 مليار دولار لتمويل المساعدات الإغاثية لليمن، منها قرابة نصف مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري وفقا لما هو معلن رسمياً، غير أن مصير هذه المبالغ يبقى مجهولاً في ظل عدم الشفافية في إنفاقها والوجهة التي وصلت إليها في الوقت الذي «يموت فيه عشرات الآلاف من اليمنيين بسوء التغذية ومنهم 80 ألف طفل دون سن الخامسة بحسب منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
اعتراف ناقص
«كان مسؤول في مكتب برنامج الغذاء العالمي في اليمن اعترف أن البرنامج تلقى خلال سنوات الحرب على اليمن أكثر من ثلاثة مليارات دولار لصالح أعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن، وأن البرنامج صرف من إجمالي هذا المبلغ ما نسبته 6,5 في المائة للنفقات التشغيلية والإدارية للمنظمة، فيما تتجاوز النفقات التشغيلية لبعض الدولية المنظمات الأخرى 10 في المئة، أما المنظمات المحلية والتي تتلقى تمويلاتها من المنظمات الدولية كمنظمات وسيطة لتنفيذ عمليات التوزيع على أرض الواقع فتصرف من المبالغ التي تتلقاها أكثر من 20 في المئة للأعمال الإدارية والنفقات التشغيلية، غير عمليات الاحتيال والنصب وما يرافق ذلك من فساد مالي»، بحسب صحيفة القدس العربي الصادرة من لندن.
فساد مالي
وفي إطار الفساد المالي للمنظمات الإغاثية ومنها برنامج الغذاء العالمي فقد كشفت وثيقة من وثائق الأمم المتحدة – حصلت «الثورة» عليها – «تسلم 8 موظفين في إحدى منظماتها العاملة في اليمن نحو 50 مليون دولار (30 مليار ريال يمني) راتباً لمدة 11 شهرا فقط، كما أن المنظمة الأممية تدفع مبالغ طائلة لتأمين السكن لموظفيها، بالإضافة بدلات أخرى تتمثل في بدل مخاطر»، خصوصاً أن اليمن تعد منطقة خطر بالنسبة لهم، فضلاً عن تكاليف إيصال المساعدات إلى مناطق الصراع، والتي قالت الأمم المتحدة إنها باهظة جداً، كما أن الوثيقة أظهرت أن تكاليف الإنترنت لبرنامج الغذاء خلال عام واحد بلغت «مليوناً ومائتي ألف دولار أميركي (660 مليون ريال يمني)» فيما تتضور آلاف الأسر جوعاً.
وما تزال سعاد تنتظر حصة أسرتها من المساعدات الغذائية لشهر مايو/ أيار رغم مرور ثلاثة أشهر على غيابها عنهم ومثلها ملايين المحتاجين في مختلف المحافظات فيما يبدد الغذاء العالمي مبالغ المانحين في أجور مساكن وسيارات، وتذاكر سفر دون إلقاء أي بال لمثل هذه الحالات التي صنفتها منضمة البرنامج الأولى (الأمم المتحدة) «أسوأ أزمة إنسانية معاصرة في العالم».
ختاما
ولئن تسبب العدوان في زيادة الفقراء والمشردين والجوعى، فإنها أنتجت أباطرة وأثرياء يجمعون الأموال يوما بعد آخر، بحيث صارت المنظمات وحالة الإفساد والفساد والعبث فيها سمة مشتركة لها في عموم اليمن ومختلف المحافظات اليمنية.
صحيفة الثورة