لم تعتبر السعودية من حروب خاضتها مباشرة او عبر وكيلها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ضد حركة انصارالله ، فاختارت لنفسها ان تلدغ من جحر واحد للمرة الثامنة عندما دشنت العهد السلماني واختارت تكتيك الهجوم المباغت والعلني بعد ان كانت تتخفى خلف غيرها في صراعات المنطقة وتكتفي بتقديم الاموال رسما او عبر جمعيات خيرية او مساجد لتمويل الترويج لمذهبها الوهابي او جماعاتها التكفيرية.
فبعد نجاح الثورة اليمنية في مرحلة الربيع العربي وانتصار ساحات التظاهرات على نظام علي عبدالله صالح والقبول على مضض بمرحلة انتقالية يكون رجلها المطيع خارج السلطة ويحل محله نائبه الضعيف عبدربه منصور هادي، ظنت السعودية انها احتوت الثورة وان مهمتها هي في تبديل الوجوه وان اليمن سيبقى حديقة خلفية لها يمكن ان يستأجر بالأموال والهدايا.
ولما كان تركيز السعودية على وأد نفوذ الاخوان المسلمين في اليمن كما فعلت في مصر، لم يكن في حسبانها ان انصار الله تخرج من تحت ركام ٧ حروب طاحنة لتكون حاضرة في ساحات الاعتصام والثورة وان تكسب قاعدة جماهيرية غاضبة على الاستعلاء السعودي التقليدي ضد اليمنيين.
وكان فشل المرحلة الانتقالية التي خططت لها السعودية، ونجاح انصار الله في تحييد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح او كسبه في ضرب رجل المرحلة الانتقالية الضعيف والذي ارادته السعودية امينا على مصالحها في جارها الجنوبي، جعلها تفتح عينيها على حقيقة انهيار حكومة رجلها الضعيف ونجاح انصار الله في كسب ثقة اليمنيين، حتى قررت بشكل مفاجئ وغاضب اعلان حرب شاملة على الشعب اليمني وحسبت ان اليمنيين سيرفعون الرايات البيضاء وانهم سيبتلعون اليمن كما كانوا يتوهمون.
وبعد فترة وجيزة، اعلنت السعودية انها استكملت مهمتها في ضرب بنك الاهداف في اليمن وان اليمنيين عاجلا او آجلا سيتسلمون لخيار القوة السعودي وسيقبلون راغبين او مرغمين على الوصاية السعودية عليهم وعلى بلدهم لانهم تحت الحصار، والطائرات تدمر بيوتهم وشوارعهم والأمراض تفتك بهم وليس لهم من مناص سوى القبول برفع راية الانتصار السعودي على اراضيهم.
لكن كل هذا لم يكن الا في مخيلة العهد السلماني وخاصة محمد بن سلمان، فالحرب مع رجال الحرب في اليمن لم تكن لعبة پليستشن ولم تكن نزهة لا تستغرق الا اسابيع أو أشهر لدخول صنعاء فاتحين منتصرين، فأهل اليمن اصعب بكثير من حسابات المخيلة السلمانية، بل وتمكنوا من جر السعودية الى رمال متحركة ما ان يتحرك الزمان، حتى تغوص قدماها اكثر وتنشل حركتها، فكانت الاراضي اليمنية عصية على الهجمات والمرتزقة والأسلحة الفتاكة والدعم اللوجيستي والاستخباري الغربي وخاصة الاميركي، بل على العكس، اصبحت صواريخ اليمنيين تتساقط في عمق المملكة ومطاراتها وثكناتها العسكرية، وحدودها غير آمنة ومدنها الحدودية تتحول الى مدن اشباح، ورجلها هادي بدل ان يدخل صنعاء فاتحا، اقام عندها في الرياض منفيا.
ومع مرور الزمن ودخول الامارات بكل ثقلها المالي في تجنيد المرتزقة والتعاقد مع شركات أمنية غربية تمتهن القتل، ازدادت قوة اليمنيين عسكريا وحنكتهم سياسيا، حتى بات الطيران اليمني المسير يؤرق السعوديين والإماراتيين، بل ويستهدف منصات پاتريوت ومطار ابوظبي ومنشآت شركة آرامكو بكل سهولة.
لم يكن اليمنيون بهذه القوة يوما في مواجهة السعودية، ولكنه غباء حكام الرياض في الاستعلاء على اليمنيين ليثيروا فيهم الانتقام لكرامتهم متوحدين متحدين وليذلوا السعودية رغم كل غرورها الكاذب وما تشتريه من حماية اميركية لا يتردد دونالد ترامب في تذكيرهم بها اذلالا واهانة.
ولم يقتصر التفوق اليمني على الصعيد العسكري فقط، بل نجح اليمنيون رغم محاصرتهم ورغم ماكنة الدعاية السعودية الإمارتية، في كسب الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمنظمات الإنسانية الى جانب قضاياهم المحقة، حتى بات المبعوث الخاص للأمم المتحدة متهما من قبل التحالف السعودي الاماراتي وتابعهما عبدربه منصور هادي، بالانحياز الى انصار الله كما اتهموا من كان قبله عندما ينفضح باطلهم ويتعزز حق اليمنيين.
مرة اخرى، يتأكد خطأ الحسابات السعودية ومخيلة ولي عهدها المغامر في ابتلاع بلد بكبر اليمن وتركيع شعب بكبرياء اليمنيين، ليتحول اليمن الذي يظنونه فقيرا جريحا الى عملاق في طيرانه المسير وبسالة مقاتليه ودفاعه عن ارضه، وتختنق به كل خيالات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وربما الآتي اعظم ان استمرا في الوهم والخيال حين يظنا ان النصر يمكن ان يشترى بالمال.