تحييد الاقتصاد حل لوقف “كارثة”
أصبح تحييد الاقتصاد الوطني عن تجاذبات أطراف الصراع مطلباً انقاذياً لما تبقى من حيوية للاقتصاد اليمني والوضع الإنساني معاً، فتحييد الاقتصاد سيوقف تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني امام العملات الأجنبية وسيوقف تأكل رؤوس الأموال الوطنية نتيجة حالة عدم الاستقرار التي يعيشها السوق اليمني جراء الارتفاعات اليومية لسعر صرف الدولار والتي تعززها إجراءات بنك عدن ضد القطاع المصرفي ، ومساعيه لمنع تدفق أي نقذ أجنبي نحو المحافظات الشمالية التي تعد سوق رئيسي كبير في اليمن من خلال الاستحواذ على أموال المساعدات الدولية من جانب وحتى رواتب القوات المشتركة التي كانت تصرف عبر لجان عسكرية ويؤول مصير معظمها إلى شبكات التحويلات المالية في المحافظات الشمالية ، يضاف إلى قيام البنك ايضاً بتشديد القيود على شبكات التحويلات المالية الدولية التي يستخدمها معظم المغتربين اليمنين الذين تصل حوالتهم المالية السنوية إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار ، وهو ما أدى إلى تراجع العرض النقدي من العملات الصعبة في المصارف والبنوك وشركات الصرافة في المحافظات الشمالية كنتيجة لتلك الإجراءات التي عززت حالة عدم الاستقرار في السوق المحلي وضاعفت مخاوف التجار والمستثمرين من تكبدهم خسائر يومية فيسعون إلى شراء تأمين رؤوس أموالهم بشراء عملات اكثر أماناً من الريال اليمني كالدولار والريال السعودي وهو ما يساهم في بقاء الطلب على الدولار في حالة ارتفاع نتيجة ارتفاع الطلب علية في السوق المحلي.
واللافت للنظر أن الاعتمادات المستندية التي يفتحها بنك عدن للتجار المواد الغذائية، والمصارفة التي يقدمها لمستوردي المشتقات النفطية ومواد البناء لم تخفف طلب العملات الصعبة في السوق المحلي بمختلف المحافظات اليمنية، وهو ما يؤكد فشل تلك الآلية في تحقيق استقرار معيشي من جانب خصوصاً ، وان أسعار البيع لاتزال في اعلى مستوياتها ولا أثر للاعتمادات المستندية التي يقدمها البنك بسعر 440 للدولار يضاف إلى أن تلك الألية لا اثر لها في تحقيق أي استقرار للعملة الوطنية التي تتهاوي يوماً بعد أخر في السوق المحلي متأثرة بتصاعد الدولار والسعودي.
وأن كان ما سبق جزء بسيط من مشكلة معقدة لا يمكن حلها ببيع الوديعة السعودية التي قاربت على نفاذ المليار دولار منها وما تبقى لن يغطي واردات البلاد لثلاثة اشهر، أن أصر بنك عدن على ربط جميع الواردات عبره والمصارفة لجميع التجار الموردين وفق القرار 75 للعام 2018م الصادر من حكومة هادي ومنحهم تصاريح استيراد كما يشترط ذلك القرار ، فالوديعة السعودية لن تدوم طويلاً لتغطي عجز حكومة هادي عن استعادة الإيرادات العامة في المحافظات الجنوبية ، وخطوات حافظ معياد للاستحواذ على أموال المساعدات والمنظمات الدولية ورواتب الموالين للتحالف وحتى لو تمكن من السيطرة على بعض تحويلات المغتربين لن يتمكن من تغطية فاتورة واردات احتياجات البلاد من الغذاء والدواء والوقود التي تصل ما بين 450مليون دولار إلى 500 مليون دولار شهرياً ، والاستمرار في تنفيذ تلك الآلية دون استعادة إيرادات الدولة المستقرة والثابتة لن يحقق الاستقرار للاقتصاد اليمني بل يقود الجميع إلى كارثة إنسانية مهما أخرت الحلول الترقيعية المؤقتة التي لجئ إليها محافظ بنك عدن حافظ معياد.
لذلك الحل الوحيد ليس بالاقتراض من الدول الأجنبية ولا طلب المزيد من المساعدات الدولية، ولا طلب المزيد من الودائع البنكية التي تصرف فيما بعد وتتحول إلى قروض سيدفعها الشعب اليمني، بل بالاستجابة لصوت العقل وتحييد الاقتصاد اليمني لإعادة الثقة للعملة الوطنية من خلال الاتفاق حول تحييد البنك المركزي اليمني كضرورة لتوحيد كافة القنوات الإيرادية في الشمال والجنوب ، واستعادة كافة الإيرادات العامة للدولة التي تنهب من قبل أطراف محسوبة على التحالف ووضعها في قنواتها الأساسية في البنك المركزي ، وخضوصاً إيرادات النفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت والذي كان ولايزال احد اهم مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة والمصدر الأساسي لتمويل الموازنة العامة للدولة.
إعادة عائدات مبيعات النفط والغاز سيخفف العجز التجاري للبلد في ظل ارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات وسيكون له اثر بارز في تمكين البنك المركزي في صرف روتب جميع موظفي الدولة وتغطية فاتورة الواردات الأساسية ، يضاف إلى أن ثقة التجار والمستثمرين ستعود حالماً يتم الإعلان عن استئناف صادرات النفط والغاز وسيتراجع سعر صرف الدولار في السوق المحلي تلقائياً متأثرا بتراجع الطلب على شرائه في السوق، فعائدات النفط والغاز كفيلة بتغطية فاتورة رواتب موظفي الدولة وبعض النفقات التشغيلية للمؤسسات في حال استئناف إنتاج 100 الف برميل في اليوم الواحد ستتجاوز العائدات 2,5 مليار دولار سنوياً دون عائدات الصادرات غير النفطية وتحويلات المغتربين واموال المساعدات والمنح والضرائب والجمارك في حال تحييد الاقتصاد وانهاء الانقسام المالي والازدواج الضريبي والجمركي.
فخلال السنوات الماضية قبل اندلاع الحرب والحصار كان أحد أهم أسباب ارتفاع العجز العام في الموازنة العامة للدولة فاتورة الكهرباء المشتراه من قبل الدولة التي كانت تصل مليارات الريالات وتذهب إلى جيوب ثلة الفساد الأكبر، وكذلك فاتورة تهريب المشتقات النفطية وتحديداً الديزل عندما كان مدعوماً من الدولة ، اما اليوم فتلك النفقات لن تعود مرة أخرى وان كان كبار هوامير النفط والغاز وكهرباء الطاقة لايزالون متواجدون هنا وهناك، إلا أن الأولية الملحة هي وقف تدهور القيمة الشرائية للعملة اليمنية، وصرف رواتب موظفي الدولة، وإعادة النفقات التشغيلية للمؤسسات الخدمية ومؤسسات الدولة، وتغطية فاتورة الواردات.
وكل ما سبق ممكناً وليس مستحيلاً، وطرف صنعاء ابدى استعداده واطلق عدة مبادرات لتحييد الاقتصاد اليمني وعزز تلك المطالب القطاع الخاص وقطاع البنوك والمصارف واتحاد الغرف الصناعية والتجارية ، لإدراكهما بأن الحلول الجزئية لا تكفي لوقف تدهور الاقتصاد اليمني ، ففي حال تحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع وتوحيد الإيرادات العامة للدولة وتعين إدارة وطنية محايدة لإدارة البنك المركزي اليمني تقف على مسافة واحدة من الجميع ، سوف تتراجع أسعار المواد الغذائية والكمالية وستنخفض أسعار الوقود، وستعود بيئة الاعمال إلى ما كانت عليه وبتحييد الاقتصاد ستعود إلى الاستثمارات المحلية وستزول الصعوبات والمخاطر التي يواجهها القطاع الخاص وستتنفس البنوك والمصارف الصعداء وتستعيد نشاطها وسوف تتحسن أوضاع الناس المعيشية تدريجياً ، وسيكون هناك تحسن ايضاً للإيرادات العامة للدولة في مختلف القطاعات خصوصاً وأن الانقسام المالي وتمسك حكومة هادي بالاقتصاد كأداة حرب ساهم في تراجع إيرادات مختلف الجهات، وكذلك أوقف عشرات المشاريع الخدمية والهامة في مجال الاتصالات والصحة والتعليم والكهرباء وغيرها ، حتى على مستوى المساعدات التنموية توقفت بسبب الانقسام وستعود في حال إبعاد الاقتصاد عن طاحونه الصراع والتخلي عن المقامرة بحياة الملايين من اليمنيين.
إذن لماذا تتهرب حكومة هادي من أي مساعي هادفة إلى تحييد الاقتصاد اليمني ولما ترفض مبادرات ومناشدات القطاع الخاص، وماسر مقامرتها باستخدام الاقتصاد آداه حرب ضد الشعب اليمني، فتحييد الاقتصاد اصبح اليوم ضرورة وطنية واقتصادية وإنسانية بل طوق نجاة وحيد من انهيار الاقتصاد اليمني وانزلاق اليمن إلى المجاعة الشاملة ، هذا المطلب أصبح مطلباً شعبياً وضرورية إنقاذيه لأتقبل التلاعب والتجاهل والتسيس.
* رشيد الحداد – هو صحفي يمني متخصص في الشأن الاقتصادي ومقرب من صانعي القرار الاقتصادي في صنعاء