الأونروا: التقاعس السياسي، وليس عمل المنظمات الإنسانية، هو ما يديم الصراعات
“تستمر الحروب والنزاعات المسلحة والعنف في غياب العمل السياسي الفعال لحلها. التقاعس السياسي – وليس عمل المنظمات الإنسانية –هو ما يديم الصراعات. لا شيء اليوم سيكون أكثر أهمية من جهد حقيقي وشامل متجدد لحل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
رسالة واضحة وجهها المفوض العام للأونروا بيير كرينبول، يوم أمس الأربعاء، عبر كلمته أمام جلسة مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط، لجميع الجهات الفاعلة. وأكد أنه لا يقول ذلك لأن الأونروا كُلفت بالتعامل مع سياسات المنطقة، فهي لم تُكلف بذلك. ولكن لأن الأونروا تتعامل كل يوم، مع العواقب الإنسانية الشديدة المتزايدة لهذا الصراع المستمر كما قال.
“لا نعتقد أن مستقبل لاجئي فلسطين يجب أن يتم تأطيره بعشر سنوات، عشرين أو ثلاثين سنة أخرى من العمل مع الأونروا”، وأضاف كرينبول، موضحا أن لاجئي فلسطين “يحتاجون ويستحقون حلا سياسيا عادلا ودائما. وحتى ذلك الحين، نحن مصممون على الوفاء بالتفويض الذي منحته إلينا الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
وفي جلسة مجلس الأمن التي ترأستها إندونيسيا، أشار المفوض العام إلى أنه في الوقت الذي يواجه فيه اللاجئون الفلسطينيون غيابا تاما تقريبا للأفق السياسي، فهو مقتنع تماما بأن الحفاظ على خدمات الأونروا يمثل مساهمة حيوية تضمن كرامة الإنسان والاستقرار الإقليمي.
معاناة وصدمات نفسية كبيرة في غزة
ومتحدثا من غزة، لفت كرينبول انتباه المجلس مجددا إلى الحالة اليائسة المتزايدة التي يواجهها سكان القطاع – منهم 1.3 مليون لاجئ على الأقل، قائلا إن الأونروا تعمل إلى جانب شركائها الأمميين والمجتمع المدني لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية.
غير أنه أشار إلى القيود على حرية الحركة وتقلص فرص العمل، فضلا عن الصدمات النفسية العميقة الناجمة عن العديد من الضحايا والمصابين جراء الحروب المتكررة وأيضا مما أصبح يعرف بمسيرات العودة الكبرى، موضحا أن آلاف الشباب أصيبوا والمئات قتلوا منذ آذار/مارس 2018، بما في ذلك 14 فتى وفتاة تتراوح أعمارهم بين 11 و16 سنة كانوا طلابا في مدارس الأونروا.
وحذر المفوض العام للأونروا من أن ما تملكه الوكالة من مال لا يكفي لإدارة عملياتها بعد منتصف حزيران/يونيو 2019، مشيرا إلى أهمية تفادي انقطاع المساعدات الغذائية، وداعيا الشركاء إلى توفير التمويل اللازم. وفي هذا السياق شكر كل الدول التي تستضيف لاجئي فلسطين وتلك التي ساهمت في إنعاش ميزانية الأونروا في السنوات الماضية مناشدا إياها المثابرة على فعل الخير وإنقاذ المستفيدين من مساعدات الوكالة الحيوية، من عواقب نقص التمويل.
ضغوط وتحديات في الضفة الغربية
وذكر بيير كرينبول في إحاطته أمام مجلس الأمن أن الأونروا تواجه أيضا احتياجات مهمة في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث يعاني اللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية من عواقب متعددة للاحتلال المستمر، بما فيها هدم المنازل وعمليات الإخلاء، في ظل تزايد هذه النشاطات بشكل كبير منذ أوائل عام 2019، بالإضافة إلى القيود المفروضة على الحركة وعنف المستوطنين.
وأشار إلى التوغلات العسكرية المتكررة حيث يتم خلالها إطلاق الذخيرة الحية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى وقوع وفيات، ولكن في كثير من الأحيان يتسبب في حدوث إصابات وأضرار في الممتلكات في مناطق مكتظة بالسكان مثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث يمكن أن تتأثر مجتمعات بأكملها بالنيران الحية والغاز المسيل للدموع.
كما استرعى كرينبول انتباه المجلس بشكل خاص إلى الضغوط المتزايدة التي واجهتها الأونروا في القدس الشرقية، في ظل تهديدات بالتدخل في عملياتها. وقال إن التطورات الحالية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية لن تؤدي فقط إلى زيادة قلق اللاجئين الفلسطينيين، بل ستزعزع آمالهم وتطلعاتهم فيما يتعلق بحل الدولتين وحقوقهم بموجب القانون الدولي.
ملادينوف: لا توجد طرق مختصرة للسلام الدائم
من جهته أكد نيكولاي ملادينوف، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، في إحاطته أمام المجلس، أنه “لا توجد طرق مختصرة للسلام الدائم”، مشيرا إلى أن التصعيد الأخير في غزة أظهر مرة أخرى الحاجة الملحة إلى تعزيز وتوسيع التفاهمات القائمة على أرض الواقع.
وقال: “يجب أن نسأل أنفسنا، كم سنة أخرى سيُجبر الفلسطينيون في غزة على العيش على نفقة المجتمع الدولي وتحت سيطرة حماس فيما يعانون من الإغلاق الإسرائيلي؟ كم سنة أخرى سيُجبر الإسرائيليون على الفرار إلى الملاجئ بينما تمطر عليهم الصواريخ التي يطلقها مسلحون فلسطينيون في غزة بصورة عشوائية من أعلى؟”
وأوضح ملادينوف أن الأمم المتحدة وشركاءها حاولوا – مرة أخرى – التخفيف من آثار الأزمة في غزة، لكن هذه الجهود ستفشل في نهاية المطاف ما لم يكن هناك تقدم في إيجاد حل للانقسام الفلسطيني، ورفع الإغلاقات، ورسم مسار نحو حل الدولتين على أساس معايير دولية طويلة الأمد، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقات السابقة.
الاشتباكات الأخيرة تحصد أرواحا من الجانبين
وذكر المنسق الخاص أن آلاف الفلسطينيين شاركوا في المظاهرات الأسبوعية عند السياج الحدودي في غزة يوم الثالث من أيار/مايو الماضي. وقد تم إطلاق بالونات حارقة، وألقيت الحجارة والقنابل على الجنود الإسرائيليين الذين ردوا بالنيران الحية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، مما أسفر عن مقتل فلسطينييْن وجرح 49 آخرين.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أضاف ملادينوف، أطلق قناص من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية النار عبر السياج، مما أسفر عن إصابة جندييْن إسرائيليين. وردا على هجوم القناصة، أطلق الجيش الإسرائيلي عدة قذائف دبابات واستهدف سلاح الجو مواقع عسكرية في غزة، مما أسفر عن مقتل اثنين من المسلحين الفلسطينيين وإصابة اثنين من المدنيين، قائلا إن ذلك كان بداية لأخطر تصعيد منذ عام 2014.
هذا وأدان المنسق الخاص بشكل قاطع جميع الهجمات على المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين ودعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف، قائلا “يجب أن يتحمل جميع الجناة المسؤولية عن جرائمهم”.