ماذا لو أغلق باب المندب؟
تحتاج المملكة لأنبوب نفط بسعة 5 ملايين برميل لتصدير حصة الوقود الغربي عبر «ينبع» كبديل
باستطاعة اليمنيين بدء فصل مختلف من حربهم الدفاعية ضد عدوان السعودية وحلفائها باستهداف المصالح السعودية الاقتصادية غير المحصنة والأكثر أهمية (ناقلات النفط)، وتعطيل التجارة السعودية النفطية الرابحة التي تسير براميلها بالملايين من أمام الشواطئ اليمنية ومن مضيق «باب المندب»، أو على الأقل تحميلها أعباء باهظة وإدخالها خط المواجهة كأهداف مشروعة، والدخول في هذه الخيارات العسكرية وهذا المستوى الأخطر من الاشتباك أصبح أقرب من أي وقت مضى، ويتم التلويح به يمنياً بأكثر من وسيلة ميدانية وسياسية.. ويبدو أن ورقة الحصار ليست حكراً على السعودية وحلفها الذين حاصروا اليمن حصاراً مميتاً وشاملاً، فبإمكان اليمنيين فرض حصار اقتصادي مشروع على «الناقة السعودية» التي تحمل على ظهرها (تجارة النفط)، وتكبيدها خسائر كبيرة ستهز الاقتصاد السعودي والعالمي، حيث يمر نحو 4,8 مليون برميل نفط يومياً من باب المندب وقبالة السواحل اليمنية، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وتمثل كمية النفط هذه 8% من إمدادات النفط العالمية.
ويربط باب المندب البحر الأحمر ببحر العرب، ويعتبر أحد أبرز مسارات النفط والتجارة في المنطقة والعالم، ويمثِّل طريقاً مهمةً لوصول منتجات البترول المُكرَّر الأوروبية إلى الأسواق الدولية.
وتعبر ناقلات النفط الخليجية المضيق للدخول إلى البحر الأحمر، متوجهة نحو أوروبا عبر قناة السويس وتمر عبره 57 قطعة بحرية يومياً.
وتعليق الصادرات من باب المندب سيزيد تكلفة نقل النفط إلى أوروبا، وسيتسبب في أزمة تتعلق بزيادة كلفة النقل، فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، سيُرغِم الغلق التام لمضيق باب المندب، الذي يساوي عرضه 29 كم فقط عند أضيق نقطة، سيرغم الناقلات السعودية والإماراتية، بالإضافة إلى الكويتية والعراقية، على “الدوران حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، مما سيزيد من وقت النقل وتكاليفه” حيث ستزيد المسافة بنسبة 60 ?.
لكن بحسب معلومات من تجارة النفط العالمي ومعلومات يمنية، فإن الاستهداف سيقتصر على السفن المملوكة للسعودية والإمارات، ويبدو أن المملكة التي تستعرض بنفوذها في المنطقة قد تلجأ للتهريب والتمويه في نقل نفطها، وستضع أسطولها من ناقلات النفط “البحري” الذي تتباهى بأنه ثاني أكبر أسطول ناقلات نفط في العالم، جانباً، لتستأجر سفناً غير سعودية لتقوم بهذه المهمة.
كما أن هناك خياراً آخر، وهو تسيير السفن السعودية بأعلام دول أخرى، لتفادي الهجمات اليمنية، كما حصل أثناء “حرب الناقلات” في منتصف الثمانينيات في حرب الخليج الأولى، حيث انتشرت في مياه الخليج ألغام مع قيام إيران والعراق بمهاجمة شحنات النفط. فقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى بحراسة ناقلات دول أخرى، وغيَّرت بعض السفن الكويتية راياتها ورفعت العلم الأمريكي.. إلا أن محللين يقولون إن ذلك سيقوض جهود السعودية والإمارات لإظهار نفوذهما في المنطقة.
كما أن من بين البدائل الصعبة تغيير مسار السفن السعودية للالتفاف حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، ما سيؤدي إلى تكلفة كبيرة في الوقت والمال، وهو ما يجعله خياراً غير مرجح.
وتتخوف السعودية والعالم من مثل هذه الخيارات اليمنية على ممر الملاحة الدولي “باب المندب”، مع اعتقاد النظام السعودي بوجود مسلك تجاري آمن أخير ومضمون في حال تعذر عليها المرور من “باب المندب”، سينقذ التجارة السعودية ويورط اليمن بصدام مع العالم، وهو خط الأنابيب الضخم الواصل بين الشرق والغرب، لنقل الخام من حقول النفط لديها على الخليج إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، بهدف تخطي المضيق والحفاظ على النشاط مع السوق الأوروبية والأمريكية. وتبلغ سعة خط الأنابيب الواصل بين الشرق والغرب 5 ملايين برميل يومياً.
ولكن هذه التقديرات السعودية لم تكن ذكية، وهذه الخطة ليست منيعة كفاية، فالصواريخ اليمنية قد زارت ينبع في عدة مناسبات، ومنشآت المدينة وميناؤها تحت النار، وربما كانت أكثر الهجمات جدية تلك التي حدثت قبل أيام ولم يتم الإعلان عنها.
كانت السعودية أعلنت عن 26 يوليو «تعليق جميع شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب بشكل فوري مؤقت… إلى أن تصبح الملاحة خلاله آمنة». دون أن تكون لها القدرة على تأمينها لو أراد اليمنيون جعلها غير آمنة فعلاً، وسط محدودية خياراتها لو تم إغلاق مضيق باب المندب بشكل كامل. حيث ادعت أنه تم استهداف ناقلتين تابعتين للشركة الوطنية السعودية، وكانت كل منهما تحمل مليوني برميل من النفط، في مياه البحر الأحمر.
بينما قال الجيش واللجان الشعبية إنهم استهدفوا «بارجة» سعودية «بصاروخ مناسب»، من دون أن يشيروا إلى ناقلتي النفط.
هذا الادعاء السعودي ليس إلَّا محاولة لدفع المجتمع الدولي للانخراط في الحرب لمساندة السعودية باستعجال أحداث يلوح اليمنيون بها ولم يفعلوها بعد.
غير أن هذا النفير السعودي لم يلقَ التفاعل الذي كانت تطمح له السعودية، فلم تحذُ حذوها أي من الدول الأخرى المصدرة للنفط، فيما عبر الحلفاء الغربيون الداعمون لتحالف السعودية عن القلق بشأن الهجمات، لكنهم لم يشيروا إلى أنهم سيتخذون إجراءات لتأمين المضيق.
وشهدت أسعار النفط الخام عقب تلك الأحداث وتعليق السعودية شحناتها من باب المندب ارتفاعاً ملحوظاً في أسواق نيويورك ولندن، لكنَّها قد تشهد زيادةً أكثر إذا أدَّى استمرار الاضطراب في المضيق لزيادة وقت النقل أو دفع أقساطٍ تأمينية أعلى، وربما كان هذا التصرف السعودي رسالة لليمنيين بأن ورقة استهداف ناقلات النفط ليست بالورقة التي تقلق السعودية كثيراً كما أنها ابتزاز للأوروبيين والأمريكيين الذين سيرفع استهداف السفن السعودية من قيمة النفط الذي يشترونه لجرهم لحرب اليمن إلى الجانب السعودي والإماراتي.
لكن السعوديين لا يضعون في الاعتبار قدرة اليمنيين على تقويض الحركة التجارية في ينبع، حيث تراهن على خط أنابيب الشرق-الغرب (بترولاين) الذي ينقل الخام من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومنه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، “ينبع” أصبحت الجبهة الأخرى الموضوعة على اللائحة بجوار “باب المندب” التي ستشل حركة 5 ملايين برميل من النفط السعودي، منها 2.8 مليون برميل تتجه شمالاً نحو أوروبا، لو ضربت منشآتها الحيوية بالصواريخ اليمنية.
حسب معلومات، فإن شركات الشحن السعودية بدأت إجراءات احترازية إضافية، منها الاستعانة بحراسات مسلحة والمزيد من المراقبة والإبحار بسرعات أكبر وتكثيف الاتصالات مع القوات البحرية الدولية.
لكن تلك الإجراءات لن تحمي السفن من هجمات تتضمن عبوات ناسفة محمولة بحراً، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات متمركزة على البر، وألغاماً بحرية.
ويقول خبراء إن الولايات المتحدة وشركاء آخرين يمكنهم تقديم حراسات بحرية للناقلات وإمدادات أسلحة، والمساعدة في المجال اللوجستي والمعلومات، إلَّا أن ذلك بالطبع سيتطلب دفع المزيد من المال السعودي لترامب لقاء المزيد من الحماية.
(تقرير – غازي الفلحي)