عطوان: أربع جهات خلف الهجوم على ناقلات النفط في الفجيرة الإماراتية.. من هي؟
ما زالت المعلومات المتوفرة حول حادث الاعتداء على أربع ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة في بحر عمان شحيحة للغاية، فلم يتم حتى كتابة هذه السطور أي إعلان عن هوية الجهة التي تقف خلفه، كما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تنفيذه، واكتفت دولة الإمارات بتأكيد العمل التخريبي، والقول بأنها بدأت التحقيقات الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات والإشاعات في الوقت نفسه.
كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأميركية التي توجد لها قاعدة عسكرية بالقرب من الميناء الإماراتي المستهدف تضم 1800 عسكريا التزمت الصمت، ولم يصدر عنها أي بيان، بينما اكتفت إيران بترجيح نظرية احتمال قيام طرف ثالث بهذا الهجوم دون أن تشير إلى أي دولة أو جهة معينة الأمر الذي زاد المشهد غموضاً.
إذا أخذنا بالنظرية الرأسمالية التي تقول بأن البورصات وأسواق المال هي قرن الاستشعار الأكثر دقة في قياس مدى خطورة أي حدث، فإن البورصات الخليجية، والسعودية والإماراتية منها على وجه الخصوص، كانت الأكثر تأثراً بشكل سلبي من جراء هذا الهجوم فبورصة دبي خسرت حوالي 4 بالمئة من قيمتها اليوم، وكانت أسهم شركات العقارات الأكثر تراجعاً، أما بورصة أبو ظبي فبلغت خسائرها 3.3 بالمئة، بينما هبطت أسهم البورصة السعودية بنسبة 3.5 بالمئة، وارتفعت أسعار برميل النفط في المقابل بنسبة 2.6 بالمئة.
***
هذا الاعتداء يبعث على القلق من حيث توقيته، وميدان وقوعه، فاستهداف ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الذي يبعد عن مضيق هرمز حوالي 150 كيلومتراً، ويعتبر ميناء التموين الأهم لناقلات النفط، وتصدير نسبة كبيرة من النفط الإماراتي مباشرة إلى المياه المفتوحة عبر خط أنابيب لتجاوز مضيق هرمز، يعني أن الجهة التي تقف خلفه كانت تعرف ماذا تفعل، أي خلق هزتين: الأولى أمنية، والثانية اقتصادية في منطقة تنتظر عود الثقاب لكي تشتعل في مواجهات ربما تتطور إلى حرب إقليمية، وربما عالمية.
الأضرار التي لحقت بالناقلات الأربع ومن بينها ناقلتان سعوديتان (المرزوقة وأمجاد) لم تكن خطيرة، ولم تحدث أي إصابات بشرية، وهذا يعني أحد أمرين: الأول أن تكون الجهة المنفذة “بدائية” ومحدودة القدرة التنفيذية، أو أن الهدف من الاعتداء هو التشويش والحد الأدنى من الأذى، وإحداث نوع من البلبلة، وإرسال رسائل تحمل أكثر من معنى إلى الجهات الخليجية المعنية.
نطرح هذه الفرضية بالإشارة إلى الهجوم الانتحاري الذي استهدف مدمرة بحرية أميركية “يو إس إس كول” في أكتوبر عام 2000 في خليج عدن، وأعلن تنظيم “القاعدة” مسؤوليته عنه، فقد قامت خلية انتحارية بالهجوم على السفينة الحربية بزورق سريع استهدف الجانب في هيكل السفينة الذي يتواجد فيه أكبر عدد من البحارة المارينز مما أدى إلى مقتل 17 بحاراً وإصابة 37 آخرين، وإحداث فجوة ضخمة فيها أدى إلى إعطابها وخروجها عن الخدمة لعدة سنوات.
هناك عدة احتمالات حول هوية الجهة التي وقفت خلف هذا الاعتداء على الناقلات نحصرها فيما يلي:
أولاً: أن تكون حركة “أنصار الله” الحوثية التي تخوض حرباً شرسة ضد التدخل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن، هي التي نفذت هذا الهجوم، خاصة أنها هددت أكثر من مرة بقصف مدن إماراتية بصواريخ باليستية مثل أبو ظبي ودبي، وهاجمت سفناً إماراتية وسعودية في باب المندب قصفاً أو بزوارق انتحارية سريعة، وهناك من يجادل بأنها لو كانت خلف الهجوم لما سحبت قواتها من ميناء الحديدة.
ثانياً: أن تكون وحدة من الضفادع البشرية الإيرانية تابعة للحرس الثوري هي التي نفذت هذا الهجوم خاصة أنها تعرف المنطقة جيداً، وأجرت وحدات من الحرس مناورات في منطقة كيش المواجهة لمضيق هرمز قبل بضعة أيام، واتخذتها قاعدة لها، ولكن هذا الاحتمال شبه مستبعد لأن إيران لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة لأنها ستوفر الذريعة للرئيس دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون لشن عدوان عليها.
ثالثاً: أن تكون “مجموعة إرهابية” هي التي نفذت هذا الهجوم على غرار الهجوم على الفرقاطة العسكرية الأميركية في ميناء عدن، فتنظيم “القاعدة” الذي يعيش “صحوة” حاليا ربما يكون من بين المنفذين، خاصة أنه يتواجد حاليا بكثافة في مناطق حضرموت وإبين اليمنيتين غير البعيدتين.
رابعاً: أن يكون المنفذ طرف ثالث يريد إشعال فتيل الحرب في منطقة الخليج، وإلصاق التهمة بإيران لتحريض الحشود الأميركية المتزايدة بحريا وجويا على رد انتقامي، ومن غير المستبعد أن يكون هذا الطرف داخلي أو خارجي، وتشير أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي الذي ينشط في المنطقة، وربما يفيد التذكير بالخلية الإسرائيلية التي اغتالت القائد الحمساوي محمود المبحوح في دبي عام 2010، أي أن الموساد يعرف المنطقة جيداً، وله تواجد قوي فيها.
***
ما زلنا نعتقد أن احتمالات الحرب أكبر بكثير من احتمالات السلام لأن إيران حتى هذه اللحظة لم ترهبها الحشودات العسكرية الأميركية، وبما يؤدي إلى عودتها مكرهة إلى مائدة الحوار للتوصل إلى اتفاق نووي جديد وفق الشروط الأميركية الاستفزازية الـ12 التي طرحها مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي، وردت على دعوة إيران بمهاتفته في البيت الأبيض بالسخرية والتهديد بعودة التخصيب لليورانيوم دون سقف، وعدم الالتزام ببعض بنود الاتفاق، مثل الاحتفاظ بكميات من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب فوق الحدود المسموح بها.
صحيح أن الحشودات الأميركية ما زالت متواضعة بالمقارنة لنظيرتها في حربي أميركا ضد العراق عام 1991، و2003، حيث حشدت 500 ألف جندي وأكثر من ثلاث حاملات طائرات وأكثر من مئتي سفينة حربية، ولكن الحرب الحديثة لم تعد تعتمد بالدرجة الأولى على المشاة، وإنما على القاذفات والطائرات والصواريخ.
نحن في انتظار كسر حاجز الصمت الأميركي، ومعرفة نتيجة الزيارة المفاجئة لبومبيو إلى بروكسل لتحشيد الحلفاء الأوروبيين وبناء تحالف جديد على غرار تحالف شن الحرب على العراق الثلاثيني، ولذلك من السابق لأوانه إصدار أحكام متسرعة، وهذا لا ينفي أن التوتر يقترب من ذروته وكل الاحتمالات واردة، والأمر المؤكد أن الرئيس حسن روحاني لن يبادر بالاتصال بالرئيس ترامب، ويظل هناك خيار ثالث هو سلطنة عمان.
دول الخليج الفارسي العربية هي واقتصادها وأمنها المتضرر الأكبر من هذا التصعيد، أما المستفيد منه فهي روسيا وبعدها السعودية، من جراء ارتفاع أسعار النفط، فكل دولار زيادة في أسعار النفط يعني أربعة مليارات دولار عوائد للخزينة الروسية، وضربة قاسية لاقتصاديات الدول المستهلكة في أوروبا والعالم الثالث أيضاً تحديداً.
الأيام والأسابيع المقبلة تتسم بالخطورة، والمفاجآت بالحرب أو بالمفاوضات واردة وما علينا إلا الانتظار.. وهل نملك غيره؟
* عبد الباري عطوان