5 من رجال الدين في السعودية يتراجعون عن عدة فتاوى إرضاءا لـ ولي العهد محمد بن سلمان

اعتذر الداعية السعودي عائض القرني، الأسبوع الفائت، علناً من الشعب السعودي باسم تيار “الصحوة” الذي كان يمثله والذي اشتهر بآرائه التحريمية المتشددة، داعياً خلال استضافته في برنامج “الليوان” على “روتانا خليجية” إلى “إسلامٍ وسطي معتدل” كالذي يدعو إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

لكن اعتذاره الذي جاء وفق رؤية الحاكم، لم يقبله الكثيرون، وأثار ردود فعلٍ لا فقط في السعودية بل كذلك في دول عربية عدة، بعد أن سببت فتاويه في سلوكيات تراوحت بين “الكبت والحرمان والفزع” بعد أن حرّمت أموراً بسيطة كالغناء والرسم والموسيقى والاحتفاظ بالصور ومشاهدة التلفزيون وغيرها.

 

ومن حين لآخر نسمع عن تراجع أحد المشايخ عن فتواه، ويثار الكثير من الجدل بشأن أسباب التراجع ودوافعه وغالباً ما يشار إلى أن العنصر السياسي والتبعية للحاكم هما السبب.

 

لكن الإمام الشافعي، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، الذي تنسب له آراء فقهية عدة وفتاوى لا حصر لها، تراجع بدوره عن الكثير من فتاويه معللاً ذلك بتغير الزمان والمكان عندما انتقل من بغداد إلى مصر.

 

في مؤلفه “تغير الفتوى بتغير الاجتهاد (دعوة للتفكير والتيسير ونبذ للتعصب والهوى والتعسير)”، يؤكد عبد الحكيم الرميلي أن الإمام الشافعي كان ذا رؤى فقهية وفتاوى أثناء إقامته في بغداد جمعها في مجلده الضخم “الحجة”، لكنه عندما ذهب إلى مصر أعاد النظر فيها وعدّل الكثير منها، وألّف كتابه “المبسوط” الذي عرف في ما بعد بأنه كتابه الأم، وقال فيه الإمام عبارته الشهيرة: “لا أجعل في حل من روى عنى كتابي البغدادي” (أي لا أعفي من ينقل الفتاوى القديمة من الكتاب الذي ألفته في بغداد من المسؤولية) بعد تراجعه عن كثير من فتاويه التي وردت في ذلك الكتاب.

وليس عيباً الرجوع في الفتوى في حال ظهور حجة أقوى أو في حال تغير الظرف المكاني أو الزماني، يقول بعض رجال الدين، لكن مؤمنين كثيرين يتساءلون عن مسؤولية رجال الدين في وضع فتوى وفرضها على مجتمعات بأسرها ثم التراجع عنها، وعن تطويع الفتوى لمصلحة الحاكم ووفق المجريات السياسية.

 

اعتذر الداعية السعودي عائض القرني عن فتاوى تيار “الصحوة” المتشددة. يقول بعض رجال الدين إن التراجع عن الفتاوى ليس عيباً حال ظهور حجة أقوى أو بتغير الزمان والمكان لكن يتساءل مؤمنون عن دور الدعاة في وضع فتاوي هدفها خدمة الحاكم.

 

الإمام الشافعي تراجع بدوره عن الكثير من فتاويه معللاً ذلك بتغير الزمان والمكان. بعده بقرون ها هو عائض القرني يتراجع عن فتاوى متشددة. هل من الهيّن تحريم أمور لعقود ثم إباحتها؟ وما العمل مع المتشددين الذين تبنوا تلك الفتاوى؟

تخلى الداعية السعودي عائض القرني عن فتاوى “الصحوة” المتشددة، وهو واحد من المشايخ الذين تراجعوا عن فتاوى بعضها مثير للضحك وبعضها الآخر خطير كان يبيح قتل أرواح. تعرفوا على أشهر الفتاوى التي تراجع عنها “الدعاة”.

تطويع الفتاوى” مع الرؤى السياسية

في مارس/آذار الماضي، تراجع عادل الكلباني، الإمام السابق في المسجد الحرام بمكة، عن “تكفير” علماء المذهب الشيعي. كما تراجع عن تحريم سفر المرأة دون محرم وقال “لا حرج فيه”، والغناء والموسيقى ليسا حراماً.

 

وأضاف: “نعم، لم أعد أُكفّر من قال لا إله إلا الله، فكل من قال لا إله إلا الله ومن أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم. هذا ما أدين به لله ولم يجبرني عليه أحد”، مردفاً “ما المشكلة أن أغير رأيي بأي مسألة فقهية”؟ منوهاً بتراجعه عن فتوى تحريم الاستماع إلى الغناء والموسيقى تأثراً “برؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية السعودية 2030”.

وسبق الكلباني، في التراجع عن تحريم الموسيقى والغناء، الداعية الإماراتي وسيم يوسف، الذي أكد أن “أغلب الأحاديث التي تحرم الموسيقى والغناء ضعيفة وأنها كانت نقلاً عن مشايخ حين حرمها قبل أن يثبت له خطأه” على حد قوله.

وكان مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قد انتقد، في مايو/أيار 2017، الدعاة الذين غيروا مواقفهم تجاه الغناء والموسيقى واصفاً إياهم بـ”المنتكسين”، مستبعداً أن يكون تغيير آرائهم نابعاً من مراجعات فكرية.

وتراجع الداعية السعودي سعد الدريهم أيضاً عن تحريمه لقيادة المرأة للسيارة، مشيراً إلى “قناعات معارضة” لقيادة المرأة للسيارة كان يحملها، لكنه غيّرها معتبراً الأمر “بيد ولي الأمر” وأنه لا يوجد مانع شرعي.

كما تخلى الداعية السعودي محمد الشنار عن فتواه عام 2013 بتحريم السفر إلى دبي إلا للضرورة، عقب ردود فعل غاضبة في الإمارات. وفي 2015، تراجع الداعية السعودي صالح المنجد عن تحريم صنع “رجل الثلج” حتى وإن كان صنعه “على سبيل المرح واللعب”، إذ رد على استفسار بهذا الشأن في وقت سابق بأن “لا شك في حرمته”، مستنداً إلى تحريم صناعة التماثيل بالمملكة آنذاك.

تراجع مشايخ السعودية عن فتاويهم ليس بالجديد، ففي مارس/آذار 2013، عكف ناشطون سعوديون عبر تويتر على رصد مسائل حرمها المشايخ، خلال الـ50 عاماً الأخيرة، ثم تراجعوا عن تحريمها. وتبين أن مشايخ السعودية حرموا كل مستحدث وجديد مثل التلفزيون والراديو والهواتف المزودة بالكاميرا وحتى وسائل النقل الجديدة مثل الدراجة، وتعليم الفتيات، قبل أن تفرض هذه الأمور نفسها.

 

تكرار التراجع عن الفتاوى حديثاً

 

التراجع عن الفتاوى لم يكن قاصراً على مشايخ السعودية، ففي يناير/كانون الأول عام 2016، تراجع عضو الدعوة السلفية بمصر، سامح عبد الحميد، عن فتوى سابقة له حرم فيها الترحم علناً على الممثلين والفنانين، معتبراً أنهم “أظهروا الفسق وارتكبوا المحرمات في حياتهم، والترحم عليهم قد يهون عند الناس ارتكاب الجرائم الأخلاقية والشرعية”.

وفي فبراير/شباط 2017، تراجع المجلس العلمي الأعلى المغربي، وهو أكبر مؤسسة مختصة بالفتوى في المغرب، عن فتوى سابقة له تجيز قتل المرتد. وفي وثيقة صادرة عنه، أوضح المجلس أن “المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها، أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية”.

وفي فبراير/شباط 2018، تراجع وزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى عن فتوى تحرم الهجرة غير الشرعية، نافياً توجيه الأئمة وخطباء المساجد بتحريمها.

رصيف 22

قد يعجبك ايضا