نازحو حجة يصارعون الحر والجوع والعطش في رمضان (تقرير)
يستقبل أكثر من نصف مليون نازح في مديرية عبس، بمحافظة حجة، (شمال غربي البلاد)، رمضانهم الخامس في خيام التشرد وسط أوضاع إنسانية صعبة، وشح في الماء والغذاء، ناهيك عن شدة الحر في هذا الوقت من العام.
ومنذ خمسة أعوام ونيّف، لم يجد النازحون في مديرية عبس، غالبيتهم من المديريات الحدودية بمحافظتي حجة وصعدة، سبيلاً للاحتفاء بشهر رمضان المبارك كما كانوا يفعلون قبل أن تشتتهم الحرب ويصبح همهم الوحيد تدبير وجبتي الإفطار والسحور ومياه الشرب.
ويحلّ رمضان هذا العام في وقت تصل فيه درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية في المديرية الواقعة في السهل التهامي، في ظل انتشار الأمراض المعدية كالكوليرا والملاريا وسوء التغذية، وشحّ المساعدات الإنسانية المقدمة للنازحين.
ضيف ثقيل
يقول أحمد جمعان، نازح من مدينة حرض شمال غربي محافظة حجة، إن النازحين من المناطق الحدودية يستقبلون شهر رمضان بجيوب فارغة وشح في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب ما يجعل الشهر الفضيل ضيفاً ثقيلاً عليهم رغم فضائله وروحانيته.
ويتساءل بأسى: “كيف سيقضي النازح الذي يسكن خيمة مهترئة لا تقيه وأولاده حر الصيف، أو حتى ذلك النازح الذي يقطن منزلاً بالإيجار بعد دمار منزله، شهر رمضان في ظل الحر والجوع والأعباء المالية التي تثقل كاهلهم”.
ويضيف في حديثه لـ”الموقع بوست”: “نعاني من صعوبة الحياة في الأيام العادية بسبب انعدام مياه الشرب والمواد الأساسية، فما بالنا بشهر رمضان الذي يأتي وسط حر شديد يرافق ساعات صيامه التي لا تقل عن 15 ساعة”.
ويتابع: “نعاني من صعوبات كبيرة في الحصول على مياه الشرب ونقاسي العذاب والهوان في توفير متطلبات الحياة البسيطة جداً لأطفالنا وأسرنا وفي شهر رمضان المبارك أعتقد أننا سنواجه صعوبات مماثلة في تأمين وجبة الإفطار”.
لا صيام هذا العام
قرب خيمة تحمل شعار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بمخيم الحبيل غربي مدينة عبس، يجلس الشاب صالح هادي نازح مع أسرته من مديرية بكيل المير الحدودية بمحافظة حجة وعلى رأسه قطعة قماش مبللة بالماء.
يقول صالح لـ”الموقع بوست” إنه قد لا يستطيع صيام رمضان لأنه لا يوجد لديهم طعام كافٍ ولا ماء بارد وليس لديهم نقود تمنكهم من شراء الثلج الذي زادت أسعاره بشكل جنوني قبل أيام من شهر رمضان.
ويشير صالح إلى أن الوضع مأساوي في المخيم في ظل الحر الشديد والنقص الحاد في الماء والغذاء والدواء، لافتاً إلى أن الكثير من الأطفال أصيبوا بأمراض جلدية من شدة الحر.
ذكريات وآلام
لا يختلف حال النساء في مخيمات النزوح في رمضان عن الرجال حيث يتملك الهم قلوبهن في الشهر الفضيل، ويحترن في كيفية توفير الحد الأدنى من الضروريات، بينما يبحث أطفالهن في أرجاء المخيمات عن حقوقهم المفقودة.
وفي خيمة أم عبد الله، نازحة من منطقة الملاحيط بصعدة، في مخيم الخديش بشفر جنوبي عبس، تكثر الدموع في الشهر الفضيل الذي يمر على أطفالها الخمسة بكثير من الحسرة والمرارة بعد وفاة والدهم في غارة جوية قبل ثلاث سنوات.
وتستذكر أم عبد الله طقوس وعادات شهر رمضان قبل النزوح مع أهلها وجيرانها وعيونها مليئة بالدموع، فقد تغيرت الطقوس التي اعتادت عليها خلال الشهر الكريم وخاصة لمة العائلة على مائدة الإفطار، كما تقول لـ”الموقع بوست”.
وتضيف: “كنت أتبادل الأطباق مما لذ وطاب قبل الإفطار مع جاراتي ونجتمع أنا وأطفالي وزوجي رحمه الله على مائدة واحدة، أما هنا فخيمة خاوية وجو حار خانق. نفتقد لمظاهر رمضان التي اعتدناها ونتمنى انتهاء الحرب والعودة إلى ديارنا”.
وتختتم بالقول: “ليس بمقدورنا الفرح بقدوم شهر رمضان هذا العام لأننا في حالة فقر ونعجز عن تأمين الحد الأدنى من المستلزمات الضرورية ويبقى رمضاننا حزيناً في ظل العوز والتشرد وفقدان الأحبة”.
مصير مجهول
ليس من السهل على أي إنسان أن يترك منزله ومسقط رأسه ويذهب للسكن في خيمة أو في العراء أو تحت إحدى الأشجار، ولكن هذا ما فعله الآلاف من أبناء عزلة بني حسن شمال مديرية عبس، مضطرين بعد أن فروا من جحيم المواجهات التي وصلت إلى قراهم مطلع أبريل الماضي.
يقول علي الحسني، نازح من منطقة بني حسن، لـ”الموقع بوست”: “أخرجت الحرب الآلاف من سكان عزلة بني حسن من منازلهم، وغادر معظمهم مسرعين والبعض سيراً على الأقدام دون التمكن من أخذ حاجاتهم الأساسية، مما فاقم معاناتهم خصوصاً مع قرب حلول شهر رمضان المبارك”.
ويشير إلى معاناة مئات النازحين من منطقة بني حسن الذين يبيتون منذ أسابيع في العراء وتحت الأشجار في أطراف مدينة عبس وضواحيها بعد أن عجزت المخيمات عن استيعابهم حيث يعيشون ظروفاً صعبة مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
ويوضح الحسني بأن شهر رمضان هذه العام يشكل تحدياً للنازحين الذين يعيشون في ظروف صعبة، فهذا أول رمضان يحل عليهم وهم خارج منازلهم، علاوةً على افتقادهم لما يسد رمقهم في ظل تجاهل المنظمات الدولية لمأساتهم.
ويختتم بالقول: “لم يمر علينا شهر رمضان من قبل مثلما سيمر علينا هذا العام، نزوح وألم وحزن وتشرد، وفراق، وجوع ومرض ومصير مجهول، ولا نعرف ماذا ينتظرنا في المستقبل ومتى سنعود إلى ديارنا”.
واندلعت معارك عنيفة بين قوات الجيش الوطني والحوثيين في منطقة بني حسن شمال مديرية عبس بمحافظة حجة مطلع أبريل الماضي أعقبها موجات نزوح هي الأكبر منذ بدء العمليات العسكرية قبل خمسة أعوام.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود، في 11 من أبريل الماضي، نزوح ثمانية عشر ألف شخص من ديارهم بسبب تفجر القتال في مديرية عبس بحجة، في حين تشير إحصائيات مكتب حقوق الإنسان بالمحافظة إلى وجود 500 ألف نازح في مخيمات عبس.
ودعت المنظمة الدولية، في بيانها، الأطراف المتحاربة إلى ضمان حماية المدنيين والموظفين الطبيين ومرافق الرعاية الصحية، بحيث يمكن توفير الخدمات الأساسية للنازحين والجرحى في مناطق النزاع.