فيتو ترامب ودعم التحالف على اليمن.. حرب استثمارية برعاية الكونجرس
عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستخدام حق النقض الفيتو للمرة الثانية منذ توليه الرئاسة في العام 2017، لإيقاف قرار الكونجرس الذي دعا لوقف الدعم الأميركي للتحالف بقيادة السعودية في الحرب على اليمن.
القرار الذي أقره الكونجرس في مارس/ أذار المنصرم بحجة حماية المدنيين في اليمن من قصف التحالف الذي يستخدم الأسلحة الأميركية والبريطانية والألمانية والفرنسية في هجماته على المدن اليمنية والمناطق الآهلة بالسكان منذ إعلان الحرب في العام 2015، اعتبره ترامب محاولة غير ضرورية وخطيرة لإضعاف سلطاتi الدستورية، “ويعرّض حياة المواطنين الأميركيين والجنود للخطر سواء اليوم أم في المستقبل”.
فيتو غير إنساني
ويرى زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ – تشاك شومر – الفيتو الذي استخدمه ترامب غير إنساني وغير أخلاقي، وتساءل عن سبب عدم قيام ترامب بمحاسبة السعودية على دورها في هذه الكارثة الإنسانية، فيما أكدت رئيس مجلس النواب – نانسي بيلوسي – على ضرورة إنهاء الحرب في اليمن فورا، وأضافت في تغريدة على تويتر: إن “مجلس النواب يطالب ترامب بتغليب السلام على السياسة، والعمل من أجل التوصل إلى حل دائم لإنهاء الأزمة وإنقاذ الأرواح”.
أما المراقبون فيرون أن “استخدام تراب للفيتو يعني استمرار نزيف الدم اليمني والحكم على الملايين من الأبرياء بالموت وتفاقم الوضع الكارثي على كافة المستويات”، فهو يعطي التحالف الفرصة لشن المزيد من الهجمات على المدن اليمنية، ويشجعه على انتهاك القوانين والأعراف الدولية وحقوق الإنسان.
“وقتلت الحرب التي يشنها التحالف على اليمن نحو 16.5 ألف مدني وجرحت 25.5 ألفًا آخرين”، بحسب تقرير صادر عن وزارة حقوق الإنسان في حكومة الإنقاذ أواخر مارس/ أذار المنصرم. هؤلاء الضحايا تؤكد المنظمات الحقوقية أن 80 في المئة من الأسلحة التي استخدمها التحالف لقتلهم أسلحة أميركية.
برعاية الكونجرس
يقول ويليام دي. هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسات الدولية، وهو مركز أبحاث تقدمي في العاصمة الأميركية واشنطن لشبكة أريج الاستقصائية: إن “معظم الصفقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أو أي مكان آخر، بشكل أساسي تبحر من خلال الكونجرس دون اعتراض، ناهيك عن أي تصويت”، مضيفا “لقد مرت صفقات الأسلحة بملايين ومليارات الدولارات من خلال الكونجرس طوال حرب اليمن”، وهو ما يجعله يعتقد أن “سحب كل قنوات الدعم العسكري للسعودية والإمارات ستشل قدرتها على شن حرب على اليمن، والحرب الجوية العشوائية بشكل خاص”.
هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس للولايات المتحدة الأميركية رغبة في إنهاء الحرب، في الوقت الذي تدعي فيه أنها طرف محايد، وتصر على التزامها بمساعدة التحالف على تقليل عدد القتلى المدنيين.
وقالت تينا كايدانو، التي عملت في مجال مبيعات الأسلحة لوزارة الخارجية، في أحد المؤتمرات العام الماضي إنهم لن يوفروا “أسلحة إلى حيث يعتقدون أنها ستُستخدم في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان”، لكن السياسة الأميركية لنقل الأسلحة بموجب ترامب تهدف إلى زيادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة في سوق الأسلحة العالمية وخلق المزيد من فرص العمل.
مأساة حرب
ويستمر تصدير الأسلحة إلى التحالف رغم وفاة 247 ألف طفل بسبب سوء التغذية، وانتشار الأوبئة والأمراض التي حصدت أرواح أكثر من 5.3 آلاف يمني، ورغم حرمان أربعة ملايين طفل من التعليم وخسارة 80 في المئة من العاملين مصادر دخلهم وانقطاع مرتبات الموظفين الحكوميين وتفاقم الأزمات إلى جانب ارتفاع معدل المجاعة ليضع ثمانية من كل 10 يمنيين تحت خط المساعدات الإغاثية وتدمير البنية التحتية والمنشآت الصناعية والتجارية والخدمية.
وتضيف كيدانو: أنه “في ظل الإدارة الأميركية، لن يكون هناك داعم أكثر فاعلية لمبيعات الأسلحة من الحكومة الأميركية نفسها”، وهو ما أكده ترامب بقوله إن الدعم الأميركي للتحالف سيستمر دون توقف، ما يثبت رغبته باستمرار الحرب على اليمن.
وتشارك الولايات المتحدة في التحالف بشكل مباشر وتتلقى نصيب الأسد من قيمة صفقات الأسلحة التي يعقدها التحالف مع الدول المصنعة للأسلحة حول العالم، حيث تقوم بتزويد الإمارات والسعودية بالأسلحة إلى جانب تدريب الألاف من الجنود الإماراتيين، وبحسب هارتنج فإن “78 من أصل 138 طائرة حربية في الأسطول الإماراتي منشأها الولايات المتحدة”، كما أن “ثلاث من كل خمس أسلحة تمتلكها قوات التحالف يكون مصدرها مصانع السلاح الأميركية”، وذلك حسب مركز ستوكهولم لأبحاث ودراسات السلام.
ويقول الديمقراطيون إن الانخراط في الحرب على اليمن من خلال المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي وبيع الأسلحة وتزويد الطائرات بالوقود في الجو، عمل غير دستوري من دون موافقة الكونجرس. لكن أميركا التي تدعي التمسك بالقيم المثلى لحماية حقوق الإنسان وتمسكها بالقوانين واحترام الدساتير تمارس كافة أشكال الانتهاكات القانونية والأخلاقية والإنسانية فيما يتعلق بالحرب على اليمن.
استثمار أميركي
أرقام صفقات الأسلحة المبرمة بين التحالف والولايات المتحدة الأميركية إلى جانب الأموال التي تدفعها السعودية لأميركا مقابل الحماية، تشير إلى الدافع الأساسي لرغبة البيت الأبيض باستمرار الحرب ودعم السعودية والإمارات، حيث تقدر القيمة الإجمالية الرسمية لمبيعات الأسلحة إلى التحالف منذ مارس/ أذار 2015 حوالي 67.4 مليار دولار، ويؤكد خبراء عسكريون أن القيمة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير خاصة أن هناك صفقات سرية تعقد بعيداً عن الإعلام، إلى جانب أن القيمة المعلن عنها رسمياً هي أقل مما هو في الواقع.
حرب استثمرتها الولايات المتحدة الأمريكية ودفع ثمنها الشعب اليمني من دماء أطفاله ونسائه، وبذلت لها دول التحالف مئات المليارات من الدولارات فيما يحتاج اليمنيون أربعة مليارات دولار كمساعدات إنسانية لمواجهة الكارثة التي صنعها التحالف.