صراع بين صنعاء والغذاء العالمي
وكان احتجاج السلطات في صنعاء على تصريحات ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التي وردت في التقرير، واعتبرت صنعاء في ردها على تقرير الغذاء العالمي إن تصريحات المدير التنفيذي تكشف ضعف التواصل بينه وبين مكاتب البرنامج في اليمن، مشيرة إلى أن التصريحات أخذت طابعاً سياسياً وأنها استُخدمت كورقة سياسية ضد السلطات في صنعاء، لكن الأخيرة لم تشر في بيانها الصادر على لسان الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية ومواجهة الكوارث، لم تشر إلى طبيعة وأسباب استخدام برنامج الغذاء العالمي لهذه التصريحات كورقة سياسية ضد صنعاء.
صراع خفي نشأ بين صنعاء والغذاء العالمي بعد محاصرة الأخير وإخضاع أدائه لرقابة هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية
مصادر في الرئاسة، كشفت لـ”المساء برس” عن وجود صراع بين بعض المنظمات الإغاثية الأممية العاملة في اليمن وبين السلطات اليمنية التابعة للمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ بصنعاء، مشيرة أن الصراع نشأ بعد أن قامت الرئاسة بإنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية نهاية العام 2017 وحينها كان برنامج الغذاء العالمي يعمل في المناطق التي تديرها صنعاء عبر منظمات محلية وسيطة بعضها كانت لها علاقات مباشرة بمسؤولين عاملين في مكاتب المنظمات الإغاثية الأممية في صنعاء وأن هذه العلاقات أثرت بشكل كبير على طبيعة اختيار مكاتب المنظمات الدولية بصنعاء للمنظمات الأهلية والجهات المجتمعية العاملة كشريك محلي مع المنظمات الدولية لتوسيع المساعدات، لافتة أيضاً إلى أن عمليات المنظمات الإغاثية في صنعاء والمحافظات الشمالية الغربية لليمن ذات الكثافة السكانية والشراكة مع المنظمات المحلية كانت تتم بدون تنسيق عبر الجهات الحكومية الرسمية وأن التنسيق مع الجهات الحكومية كان يقتصر على بعض الخطوط العريضة والجوانب البروتوكولية اللازمة فقط وأما بقية التفاصيل فكانت غائبة عن السلطة الممثلة بوزارتي الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان.
تضيف المصادر إنه وعلى إثر الوضع القائم في السابق بخصوص أعمال الإغاثة في المناطق التي تديرها سلطة صنعاء تم إقرار إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث لتكون هي الجهة الرسمية الأولى والوحيدة المشرفة على عمليات الإغاثة مع المنظمات الدولية وللتحكم أكثر بعمليات الإغاثة وضبطها وإنهاء حالة الفساد الذي كان قائماً في عمليات توزيع الإغاثات والذي كان يتم بعلم مسؤولين تابعين للمنظمات الدولية.
أراد برنامج الغذاء العالمي الرد على إجراءات صنعاء التي حاصرت عمليات الفساد التي يستفيد منها مسؤولين يعملون مع الأمم المتحدة في صنعاء باتهام أنصار الله ببيع المساعدات الغذائية في السوق.. بعدها قررت صنعاء كشف ما كانت تخفيه من فضائح عما يقدمه البرنامج من أغذية فاسدة
كما كشفت المصادر لـ”المساء برس” أنه كان بإمكان السلطة في صنعاء مخاطبة المنظمات الدولية العاملة في اليمن بشكل مباشر ومواجهتها بما لديها من معلومات تكشف فساد توزيع الإغاثات عبر المنظمات المحلية التي تتدخل في اختيارها مكاتب المنظمات الدولية بصنعاء، ولفتت المصادر إلى أن فتح مواجهة مباشرة مع المنظمات الإغاثية الدولية من شأنه أن يضعف موقف السلطة في صنعاء أمام الأمم المتحدة ويمكن أن يدفع بهذه المنظمات إلى استغلال الأمر لمحاربة سلطة صنعاء وتوظيف ذلك ضمن الحرب على اليمن، وأن السلطة في صنعاء حينها وجدت أن الأنسب هو إنشاء هيئة رسمية تكون هي المعنية والجهة الأولى المخولة بضبط عمليات الإغاثة ووقف التلاعب الذي كان يحدث ويضعف من العمليات الإنسانية ويذهب بكميات كبيرة من الأموال المخصصة للعمليات الإغاثية في اليمن في دهاليز المرتبات والنفقات الخاصة بالعاملين في مجال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة وشركائهم المحليين من العاملين في هذا المجال.
وأضافت المصادر أن مكتب برنامج الأغذية العالمي في صنعاء “يبدو أنه استاء من خطوة الرئاسة اليمنية بإنشاء هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية”، وطوال فترة عمل برنامج الغذاء عن طريق الهيئة الوطنية والتي بلغت مدتها منذ إنشاء الهيئة وحتى وقت صدور تقرير الغذاء العالمي عاماً كاملاً، قالت المصادر إنه طوال هذه الفترة “يبدو أن عمل البرنامج عن طريق الهيئة أدى إلى حصار الفساد الذي كان قائماً من قبل ليتحول الأمر بعد ذلك إلى حرب وصراع هادئ بين البرنامج والهيئة ، هذا الصراع الخفي كشف عن نفسه من خلال ما ورد في تقرير البرنامج نهاية يناير الماضي”.
رد صنعاء على تقرير الغذاء العالمي وبنود الاتفاقية الموقعة بين الهيئة والبرنامج في البيان الصادر عن الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية رداً على تقرير الغذاء العالمي، ورد في البيان ما يلي “أولا:- إن حجم الاحتياج اكبر بكثير من حجم المساعدات المقدمة، ثانيا:- لقد تم توقيع اتفاقية بين الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية وبرنامج الأغذية العالمي التي تضمن كافة الإجراءات لوصول المساعدات الى المستفيدين والتي نصت على الآتي:-
1. اعادة النظر في قوائم المستفيدين في كافة المديريات عن طريق لجان مجتمعية منتخبة من المجتمع يشرف على تشكيلها وتدريبها برنامج الغذاء العالمي والهيئة الوطنية.
2. يقوم الشريك المنفذ لبرنامج الغذاء العالمي والهيئة في المديرية بالنزول الميداني للتحقق من ان القوائم المرفوعة من اللجان المجتمعية ومدى مطابقة المعايير على الفئات المستهدفة المتفق عليها.
3. يقوم برنامج الغذاء العالمي بالنزول الميداني وإجراء عملية تحقق للمرة الثانية.
4. تم اختيار شركة عالمية متخصصة في الرقابة والتقييم كطرف ثالث لإجراء عملية تحقق ثالثة لقوائم المستفيدين.
5. تم الاتفاق على منح كل مواطن مستحق للمساعدات الغذائية بطاقة ذكية بموجبها يتم استلام المساعدات الغذائية.
6. تطبيق نظام البصمة الالكترونية المرتبط بالبطاقة الذكية لكل مستفيد.
7. تم التعميم على فرع الهيئة الوطنية والجهات ذات العلاقة للتنفيذ جميع بنود الاتفاقية”.
وحسب البيان فإن الهدف من توقيع الاتفاقية مع برنامج الغذاء العالمي “تقليص نسبة الخطأ في قائمة المستفيدين إلى الصفر”، غير أن الهيئة اصطدمت بتأخير برنامج الغذاء لتنفيذ أي إجراءات تصحيحية لقوائم المستفيدين، وحين تلقت الهيئة بعض الشكاوي من المستفيدين حاولت الهيئة التأكد من قوائم المستفيدين ومقارنتها إلا أن برنامج الأغذية اعترض على إجراءات الهيئة “بحجة سرية البيانات وحقوق المستهدفين والتي للأسف تم تسريبها والتعامل معها كورقة سياسية وإعلامية مخالفاً بذلك جميع المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية”، حسب بيان الهيئة.
الغذاء العالمي في موقف محرج يرى مراقبون إن السلطات في صنعاء اعتبرت أن تقرير الغذاء العالمي الذي اتهمها بالتلاعب بالإغاثات وبيعها يعد بمثابة إعلان حرب على الهيئة الوطنية لتنسيق الشؤون الإنسانية، فما كان منها – أي سلطات صنعاء – إلا أن بادرت بالرد الرسمي على “ادعاءات الغذاء العالمي ومديره التنفيذي وتفنيد ما تم الاتفاق عليه عبر اتفاقية تم التوقيع عليها رسمياً ولم يتم تنفيذ بنودها من قبل مكتب الغذاء العالمي بصنعاء”، ولم يقتصر هذا الرد على نصوص البيان الصادر عن الهيئة فقط بل تعزز ذلك بالوثائق التي تثبت تهرب مكتب البرنامج في اليمن من التزاماته التي تم الاتفاق عليها وفقاً لنصوص العقد وقالت الهيئة إن هذا التهرب لم يكن مبرراً وغير مفهوم وأنها أبلغت مكتب الأمم المتحدة بذلك وأبلغت الهيئات العليا لبرنامج الغذاء العالمي بالأمم المتحدة وحين زار مديرها التنفيذي “بيزلي” صنعاء تم إبلاغه وإطلاعه على الوضع وعلى مجمل التفاصيل كما تم إطلاعه على التقارير الخاصة بالمواد الإغاثية والأغذية المقدمة ومدى نسبة صلاحيتها للاستخدام الآدمي.
مواجهة السلطات في صنعاء تجاوزت الردود وإثبات عكس ما ورد في تقرير برنامج الغذاء العالمي، بالإعلان عن فتح تحقيق موسع وشامل لما ورد من اتهامات في التقرير، وإلى جانب التحقيقات قررت صنعاء كشف ما لديها من معلومات كانت تتحفظ عليها من قبل لعدم إحراج المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن، لكن لأن الغذاء العالمي هو من بدأ باستخدام مهمته الإنسانية كورقة حرب ضد صنعاء فإن الأخيرة قررت الرد بالمثل وكشف الفساد الحاصل من قبل مكاتب الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة في صنعاء فيما يخص عمليات توزيع المساعدات الإنسانية خصوصاً الأغذية ،ومن ذلك كشف كميات الأغذية الفاسدة التي يقدمها الغذاء العالمي للشعب اليمني كمساعدات إنسانية لإنقاذ الملايين من اليمنيين بينما هي في الحقيقة باتت مواداً سامة ولم تعد صالحة للاستخدام الآدمي.
وفي الوقت الذي كانت في السلطات في صنعاء من قبل تقوم بإتلاف كميات الأغذية الفاسدة بهدوء وبدون كشفها لوسائل الإعلام، أصبحت اليوم وبعد تقرير الغذاء العالمي نهاية الشهر الماضي تقوم قبل إتلاف هذه الكميات بكشفها ونشرها لوسائل الإعلام الأمر الذي يسبب إحراجاً لبرنامج الغذاء العالمي أمام الأمم المتحدة وأمام المجتمع الدولي.
النيابة والمواصفات والمقاييس والجهاز المركزي للرقابة وهيئة تنسيق الشؤون الإنسانية رصدت تخزين الغذاء العالمي أغذية فاسدة في صنعاء
مؤخراً تلقت هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية بلاغات تفيد بتوزيع برنامج الغذاء العالمي مواداً غذائية فاسدة في عدد من نقاط التوزيع في العاصمة صنعاء، وبناءً على ذلك شكلت الهيئة لجنة نزول ميداني ووجدت بالفعل وجود حشرات صغيرة في كميات البقوليات الموجودة بمراكز التوزيع التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، ووجدت أن هذه الكميات الفاسدة كانت ستوزع لـ8 آلاف أسرة.
مصدر مسؤول بالهيئة قال لـ”المساء برس” إن اللجنة الميدانية التي نزلت لمعاينة المواد الغذائية بمخازن العذاء العالمي رفعت تقريرها لرئاسة الهيئة وقامت باستدعاء الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإبلاغ النيابة العامة وأن جميع الهيئات السابقة باشرت عملها على الفور وتم إبلاغ برنامج الغذاء العالمي ومطالبته برفع الكميات الفاسدة من المخازن قبل التسبب بإفساد الأغذية الأخرى، وفي حالة عدم تجاوب البرنامج فإن الهيئة ستباشر التواصل بالجهات المعنية واتخاذ الإجراءات القانونية، بالتزامن مع رفع الجهاز المركزي بالمتسببين بتوزيع هذه المواد وإحالتهم للنيابة العامة.
ومطلع فبراير الجاري كان المستفيدون من المساعدات الغذائية في اليمن على موعد مع استلام 32 ألف طن من القمح الأمريكي منتهي الصلاحية تابع لبرنامج الغذاء العالمي، وفي بيان لجمعية حماية المستهلك بصنعاء قالت الجمعية إن “باخرة فرغت شحنة كبيرة من القمح منتهي الصلاحية بميناء عدن وأن الكمية تحتوي 32 ألف طن من القمح الأمريكي وعلى الرغم من تعفن القمح على ظهر اباخرة وعدم صلاحية استهلاكه إلا أنه تم تفريغه وتعبئته في أكياس تمهيداً لتقديمه كمساعدات لليمنيين”. وبناءً على بيان جمعية حماية المستهلك وعلى التقارير المرفوعة من الجهات المعنية منعت السلطات في صنعاء دخول هذه الكميات وطالبت “بإعادتها من حيث أتت لعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي”.