سبأ جلاس: رسوماتي لا تُجمّل المأساة بل تقاوم بشاعة الحرب
«قد لا تكون مهمة الفن في الحرب، تصوير وجه المأساة بقدر ما هي إعادة الاعتبار لوعي الإنسان بقيمته كإحدى وسائل مقاومة بشاعة تلك الحرب»، تقول الفنانة اليمنيّة الواعدة سبأ جلاس، رافضة، اتهام البعض لرسوماتها على صور دخان الانفجارات، بأنها تُجمّل المأساة وتخفف من آثار الحرب، وقالت «هذا القول غير سليم؛ كما أن الفنون ليست معنية بأهداف الحرب بقدر اهتمامها بإشاعة قيم الجمال في مواجهة ثقافة القتل والدمار؛ فالفن في بلد الحرب لابد أن يشيع الأمل».
وتتواتر منذ بدء الحرب هناك، تجارب فنية لشباب واعدين، يحرصون على الإسهام، من خلال الفن، في خدمة بلادهم في هذه المحنة، والاشتغال باتجاه تكريس وعي إنساني مقاوم لتداعيات الحرب ثقافياً وقيمياً… وفي هذا السياق أنجزت سبأ جلاس (31 سنة) مؤخراً عدداً من الأعمال الزيتية، في تجربة تخوضها لأول مرة بالرسم بهذه الألوان، اشتغلت فيها على الحرب، لكن من خلال مناظر إنسانية تؤكد مأساوية الفقد من جهة، ومن جهة ثانية تؤكد أهمية تحدي الموت بالاحتفاء بالحياة، ومن أبرز هذه الأعمال: لوحة طفل فقد والديه وينطوي على نفسه حزيناً في منزل استهدفه القصف، لكنها في الوقت ذاته قدّمت أعمالاً تحاور قيم التحدي لهذه المأساة والانتصار للغد، من خلال أعمال منها: لوحة طفلة تتمرجح على مدفع دبابة، وكذلك لوحة امرأة تطلُ مبتسمة من فجوة أحدثها القصف في منزل عائلتها.. وغيرها من الأعمال، كلوحة طفلة تعزف على التشيلو على ركام منزلها، كأن الرسامة تقول لنا، من خلال هذه الأعمال، إن الغد يستحق منا أن نحتفي بالحياة مهما كان الجرح غائراً!
تأثرت سبأ في إنجاز أعمال الدخان بتجربة فنانين فلسطينيين كانوا يشتغلون على التقنية ذاتها، بهدف تعزيز ثقافة الصمود.
وكانت سبأ، وهي خريجة أدب فرنسي، قد ظهرت، قبل هذه الأعمال، بمجموعة من الرسومات حوّلت فيها دخان انفجارات غارات طائرات التحالف على الأحياء السكنية إلى أعمال فنية تحتفي بجمال الإنسان وبهجته.
«الحرب لن تستمر؛ وبالتالي نحن بحاجة لوعي بأن المقبل أفضل مهما كان الواقع سيئا، وهنا فإن تحويل منظر دخان الانفجار، وهو من أقسى مناظر القتل والدمار، إلى منظر إنساني محمول بإيحاءات جمالية، يمثل وسيلة لإعادة الاعتبار لوعي الإنسان بالحياة في ما هو محاصر بالموت» تقول سبأ لـ«القدس العربي».
وحظيت هذه الأعمال باحتفاءٍ واسع في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. واستطاعت سبأ أن تبيع خمسة منها في مزاد على شبكة الإنترنت، وكان عائد البيع مليوني وسبعمئة ألف ريال يمني (4500 دولار تقريبا)، وأسهمت بكامل المبلغ في دعم مشاريع إنسانية في بلادها.
لإنجاز تلك الرسومات كانت سبأ تختار صورة فوتوغرافية لمنظر انفجار ناجم عن غارات جوية، ومن ثم تستخدم هاتفها المحمول في استبدال كتلة الدخان في الصورة برسم منظر إنساني يتواءم مع حدود كتلة الدخان مستخدمة في ذلك القلم الإلكتروني للهاتف؛ فتأتي اللوحة مزيجاً من الفوتوغرافيا والرسم.
وتأثرت سبأ في إنجاز أعمال الدخان بتجربة فنانين فلسطينيين كانوا يشتغلون على التقنية ذاتها، بهدف تعزيز ثقافة الصمود، بينما تقول سبأ إن هدفها كان مختلفا، وهو القول من خلال هذه الأعمال إن هناك أملا بتوقف الحرب والبدء من جديد.
واللافت في أعمال المجموعتين لهذه الفنانة الواعدة، هو حضور النساء والأطفال في معظمها، وترى ذلك «تعبيراً طبيعياً عن واقع الحرب الذي تتحمل فيه المرأة والأطفال نسبة كبيرة من تداعياتها… ففي النساء والأطفال تتراكم نسبة كبيرة من الحزن الناجم عن الفقد، وبالتالي فهذه الفئة هي الأكثر احتياجاً للأمل».