هذا هو الوجه غير المعلن للحرب على اليمن..

تقرير/ عبدالقادر عثمان

 

منذ ما يقرب من خمس سنوات، يشن التحالف بقيادة السعودية والإمارات حربه على اليمن بدعوى مواجهة المد الإيراني، فارضين حصارا خانقا على بلدٍ تفصل بينه وإيران دولتين خليجيتين إحداهما مشاركة في التحالف وعلى علاقة جيدة بطهران.

 

أكثر من أربع سنوات تحلق الطائرات فوق رؤوس اليمنيين دون توقف، وتتساقط الصواريخ الأميركية والأوروبية – بما فيها القنابل المحرمة دوليا – على منازل المدنيين والمرافق الحيوية والمدارس والمستشفيات والأسواق العامة والمصانع والطرقات والجسور وحتى صالات الأعراس والمساجد.

 

دعم وتحرير

يقول الناطق الرسمي باسم التحالف العقيد تركي المالكي في المؤتمر الصحفي، الذي عقده اليوم الاثنين، في الرياض، أن الأحداث العسكرية، والموقف العملياتي لـ “إعادة الأمل”، و “دعم الشرعية” في الداخل اليمني، شملت جهودا سياسية وإغاثية واقتصادية ومكافحة التنظيمات الإرهابية، مضيفا أن “الأعمال الإغاثية المقدمة للشعب اليمني تقدر تكلفتها بـ 1.5 مليار دولار، وأخرها دعم السعودية والإمارات وقيمته 500 مليار دولار، ورواتب المعلمين 70 مليون دولار، إضافة إلى 3 مليارات دولار وديعة في البنك اليمني”.

 

ولفت المالكي إلى أن العمليات العسكرية، التي قام بها التحالف لدعم حكومة الرئيس المستقيل هادي مؤخرا، كانت تهدف إلى تحرير مناطق وقرى يمنية، تزامنا مع استمرار التحالف في محاربة ما أسماها بـ “الجماعات الإرهابية”.

 

واقع مختلف

تصريحات المالكي تأتي مغايرة للواقع اليمني الذي أحدثته حرب التحالف، فالإعاقات المتتالية للجهود السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة تأتي دائما من الرياض وأبو ظبي؛ وهو ما كشف عنه المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر، كما أن الحصار الذي تفرضه دول التحالف خلق أزمات اقتصادية وصحية وتعليمية ونفسية، وساهم تدفق الأسلحة إلى المناطق التي يتواجد فيها التحالف ومسلحوه في نشاط الجماعات المتطرفة وتنظيم القاعدة وارتفاع مستوى الجريمة والبسط على ممتلكات الدولة والمواطنين وغياب الأمن، وظهرت أهداف متضاربة لعناصر التحالف أدت إلى الاقتتال فيما بينهم.

 

الضربات الجوية للتحالف على المدنيين في القرى والمدن، يقول المالكي أنها تهدف إلى تحرير تلك المناطق، غير أن الواقع كشف أن تلك العمليات العسكرية لم تحرر المناطق إلا من أهلها، فالأمم المتحدة سجلت في تقاريرها نحو 2.3 مليون شخص نازح حاليا في جميع أنحاء اليمن، بينهم أكثر من نصف مليون فروا من النزاع في محافظة الحديدة منذ يونيو/ حزيران الماضي، الذي أعلن التحالف فيه تصعيد العمليات العسكرية لاقتحام المحافظة.

 

نزوح اللاعودة

ولأن المحافظات التي يسيطر عليها مسلحو التحالف غير مستقرة؛ فإن موجات النزوح من مناطق القصف والمواجهات قصدت محافظات صنعاء وحجة والمحويت وذمار وعمران التي تديرها سياسيا وأمنيا حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى.

 

النازحون إلى هذه المحافظات لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم التي وصلت إليها قوات التحالف في المحافظات المحتلة، بينما عاد الكثير من النازحين إلى مدينة الحديدة التي لا تزال تؤمنها قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وهو ما يؤكد بشاعة الممارسات التي يقوم بها مسلحو ومليشيات التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، والتي تتنوع بين إنشاء سجون سرية لقمع وتعذيب المعارضين، إلى جانب نهب الممتلكات وإنشاء مقاطعات عسكرية كما حصل في المخا مؤخرا، بالإضافة إلى القتل وجرائم الاغتصاب والسرقات وترويع الساكنين.

مأساة الواقع اليمني لا تنتهي عند هذه المعاناة، فالأمم المتحدة أعلنت اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأطلق برنامج الغذاء العالمي أكبر عملية إغاثية تشمل في العام 2019 نحو 14 مليون حالة إغاثية، فيما أكدت اليونيسيف أن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.

 

وعلى الرغم من تفاقم معاناة اليمنيين فإن التحالف مازال يراهن على إسقاط الحديدة والوصول إلى الميناء الذي تدخل عبره 80% من المساعدات الإنسانية لكافة المحافظات، وتوقفه يهدد حياة عشرات الملايين من المواطنين.

 

تنازلات وتصعيد

مشاورات ستوكهولم التي جمعت بين وفدي صنعاء الوطني والرياض الموالي للتحالف في السويد مطلع ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، جاءت من أجل إيقاف نزيف الدم اليمني وكانت أبرز بنود الاتفاق في المشاورات متعلقة بالعمل من أجل التهدئة في الحديدة، باعتبار استمرار الحرب فيها لا يساهم إلا في مضاعفة المأساة، وهو ما جعل وفد صنعاء الوطني يقدم خلالها التنازلات التي قال إنها تأتي من أجل المواطنين وتغليب مصلحة الشعب وليست من منطلق ضعف، غير أن وفد الرياض لم يكن مستعدا لتقديم أي تنازلات من أجل الشعب، لأنه لا يملك قرار نفسه بل يحتاج إلى العودة نحو الرياض لمعرفة رأي التحالف في ذلك ومدى قبوله بإنجاح إحلال السلام في البلاد وهو ما انتهى بانتهاكات المسلحين للتهدئة في المحافظة خلال الشهرين الماضيين، وإعادة تعليق الأمل على الحسم العسكري الذي أفصح عنه التحشيد المستمر للقوات الإماراتية إلى الساحل الغربي.

 

الجيش واللجان الشعبية ليسوا في غفلة عما يجري في الساحل، فهم أيضا يستعدون لأي معركة قادمة ولأي تصعيد يصدر من التحالف في أي وقت، وقواتهم أصبحت مجهزة بالطيران المسير الذي كشفوا مؤخرا عنه، وبالتطورات المستمرة للأسلحة محلية الصنع التي يعلنون أخبار الجديد منها كل فترة، وهذا ما سيجعل من معركة الحديدة القادمة أكثر شراسة وضررا إن لم تنجح الأمم المتحدة في الضغط على التحالف للقبول بالحل السياسي، كما سيسهم في تعقيد العملية الإغاثية وقد يؤدي إلى فشلها، والخاسر الوحيد في كل ذلك هم المدنيين.

قد يعجبك ايضا