يعاني اتفاق السويد، الموقع بين الاطراف اليمنية لوقف إطلاق النار في الحديدة والذي دخل حيز التنفيذ في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، العديد من المطبات والمعوقات، حيث يصعد العدوان السعودي ومرتزقته في مختلف الجبهات ويستمرون في الخروقات والتحشيد العسكري بالحديدة في محاولة لإفشال الاتفاق فيما تصر حكومة صنعاء بقيادة انصار الله على إنجاح الجهود الاممية في التهدئة.
تشهد مرحلة ما بعد مشاورات السويد منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر العام الماضي حالة من المماطلة من قبل العدوان ومرتزقته حول تطبيق البنود التي تضمنها اتفاق ستوكهولم ومنها ملف الأسرى والتهدئة في الحديدة بالاضافة الى ايصال المساعدات إلى تعز وصرف مرتبات الموظفين ما يوحي بتنصل العدوان عن مضمون الاتفاق. ورغم حصول خروقات مستمرة من قبل العدوان ومرتزقته في الحديدة في ظل الصمت الاممي تعهد الجيش اليمني واللجان الشعبية بتنفيذ التزاماته بموجب الاتفاق وقام بتسليم ميناء الحديدة لخفر السواحل والسلطة المحلية تحت إشراف فريق مراقبي الامم المتحدة برئاسة الجنرال الهولندي باتريك كمارت.
ويعتبر ميناء الحديدة الشريان الرئيس لإمداد أكثر من 70% من سكان اليمن بالغذاء والدواء، وإلى جانب حيويته وأهميته، فإنه لا يزال مركز الثقل في الحرب التي تدور رحاها في هذا البلد منذ أكثر من 4 أعوام.
وفي هذا السياق قال رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن محمد علي الحوثي ان “الحصار والحظر الجوي ومنع صرف الرواتب والمماطلة في الإفراج عن الأسرى متواصلة، متسائلا هل يعلم المبعوث الاممي الى اليمن مارتن غريفيث بذلك”؟ وأضاف “دعونا لوقف إطلاق النار الشامل من البداية وما زلنا، والكرة في مرمى قوى العدوان وحلفائهم”.
واكد رئيس الثورية العليا: “ملتزمون باتفاق السويد وعلى الأمم المتحدة ومبعوثها الضغط على الطرف الآخر لتنفيذه وعدم الكيل بمكيالين”.
فيما قال عضو الوفد الوطني اليمني المفاوض عبد الملك الحجري في تصريح لقناة العالم ان المبعوث الاممي لليمن حاول الابتعاد عن تحديد الطرف المعرقل لاتفاق الحديدة والسويد، داعيا لدور اممي ضاغط على الطرف الاخر لإنجاح اتفاق الحديدة وملف الاسرى باعتبارهما عوامل ثقة للاتجاه نحو اي مشاورات قادمة .
وتابع الحجري أن اتفاق السويد واضح ولم يحدد عدد للمراقبين وهذا الامر ما زال قيد الدراسة من قبل القيادة السياسية لليمن ممثلة بالمجلس الاعلى، مشيرا الى اتخاذ خطوات ايجابية لكن الطرف الاخر لم يسحب عناصره المسلحة من الطرف الشرقي والجنوبي للحديدة واستغل عدم المام رئيس بعثة المراقبين ببنود الاتفاق وحاول تجاوز القفز على بعض البنود لعرقلة سير الاجراءات العسكرية المرافقة لتنفيذ الاتفق، مضيفا ان رئيس البعثة لم يتعامل بمهنية حتى الان فيما يتعلق بالزام الطرف الاخر ببنود اتفاق السويد .
الى ذلك شدد غريفيث في مقابلة مع “روسيا اليوم”، على ان الحل في اليمن لا يمكن الا بتفاهم الأطراف اليمنية، وبدون تدخل خارجي، مشيرا الى ان مقترح ارسال عدد محدود من المراقبين الدوليين الى اليمن، يخص تحديدا مراقبة وقف العمليات في الحديدة، ولا يشمل عموم مناطق اليمن.
واضاف ان حادث المنصة في قاعدة العند بمدينة لحج، لا ينبغي ان يؤثر على اتفاق ستوكهولم بين الفرقاء اليمنيين، مؤكدا على ان الاتفاق يتعلق بوقف العمليات العسكرية في ميناء الحديدة.
من جهته أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يوم الخميس الماضي، أن غريفيث طلب من الأردن استضافة اجتماع حول اليمن، وأن بلاده تدرس الطلب.
وفي هذه الاثناء أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع أن استمرار العدوان ومرتزقته في خروقاتهم المكثفة لوقف إطلاق النار في الحديدة يعكس مدى استهتارهم بالقرارات الأممية وعدم جديتهم في تنفيذ ما التزموا به في اتفاق السويد حيث ارتكبوا خلال 48 ساعة الماضية 89 خرقا في الحديدة.
وقال في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية سبأ إن المرتزقة واصلوا قصفهم المدفعي والصاروخي على الأحياء السكنية ومنازل ومزارع المواطنين وعلى مواقع قواتنا حيث أطلقوا 60 قذيفة مدفعية منها 52 قذيفة مدفعية باتجاه جنوب وشرق وغرب التحيتا و8 قذايف هاون من غرب مصنع الحاشدي إلى غرب السفينة وحول مصانع العودي إلى جانب إطلاق صاروخ موجه استهدف منزل المواطن ماهر عبدالله محفوظ في الدريهمي مما أدى إلى إحراقه بالكامل.
وأشار العميد سريع إلى أن المرتزقة قاموا بمحاولة تسلل على شمال غرب قرية مغازي غرب حيس كما واصلوا إطلاق النار من مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة باتجاه جنوب وشرق وغرب التحيتا ومن مثلث مقبنة باتجاه جنوب شرق حيس ومن حول كلية الهندسة إلى شارع الخمسين ومن العمارة شرق الجامع باتجاه كيلو 16.
واضافة للمأزق الذي وصل اليه العدوان والذي دفعه للسير باتفاق الحديدة، كانت لدى هذا العدوان أهداف ميدانية واستراتيجية أخرى لهذا الاتفاق وهي: محاولة عزل الحديدة عن الجبهات الأخرى بهدف إبعاد تأثير الجيش واللجان الشعبية عن البحر الاحمروانتزاع الميناء أو على الأقل تحييده، لنزع نقطة التواصل الأخيرة للجيش واللجان الشعبية مع الخارج، ولحرمانهم من مميزات الميناء الوحيد وفصل ترابط وتماسك الموقعين الأقوى (الحديدة ومينائها عن العاصمة صنعاء ومحيطها) ميدانياً واستراتيجياً وشعبياً واقتصادياً لدى الجيش واللجان الشعبية والتركيز على جبهات الداخل ودعمها بالقوى وبالقدرات العسكرية، بعد تحرير قسم كبير من جهود العدوان التي سُخِرَت لمعركة الساحل الغربي وللحديدة خاصة، والمؤشر لذلك الضغوط الواسعة التي يمارسها هذا العدوان حاليا على اكثر من جبهة داخلية أو حدودية شمالاً.
أما لناحية الأسباب التي دفعت بالجيش واللجان الشعبية للسير بمفاوضات السويد والتي أنتجت اتفاق الحديدة فهي: إظهار حسن النية الدائمة نحو التسوية السياسية، حيث كانوا دائما يعبّرون عنها في أغلب مناسبات مشاريع التفاوض وسحب الذريعة التي كان العدوان دائما يتمسك بها، من أن ميناء الحديدة يشكل ممراً أساسياً لإدخال الأسلحة للجيش لأنصار الله، وبأن هؤلاء يسيطرون على أغلب مساعدات الامم المتحدة التي تدخل للشعب اليمني وايضا تخفيف الضغوط الميدانية والعسكرية الكبيرة عن وحداتهم التي بذلت جهوداً ضخمة للدفاع والصمود في الساحل الغربي وفي الحديدة تحديداً، أمام جحافل العدوان ومرتزقته المدعومة جواً وبحراً وبراً بشكل عنيف ومتواصل.
وتضمنت المرحلة الاولى العملية من اتفاق الحديدة بداية، بند تبادل لوائح الاسرى والمعتقلين، والتي تبين عند التدقيق فيها، أن العدوان ومرتزقته لا يملكون لوائح محددة بشكل تفصيلي واضح عن معطيات الأسرى والمعتقلين في سجونهم، وظهرت الفوضى وعدم التنسيق والضعف في آلية ضبط هؤلاء المعتقلين، لناحية عدم تحديد الجهة التي اعتقلتهم ومكان وجودهم، ناهيك عن أخطاء لا تحصى باسماء مكررة وباسماء من المحكومين بتهم ارهاب أو بتهم جنائية كانوا حُكِمُوا بها سابقا قبل الحرب.
والبند الثاني من الاتفاق، والذي كان من المفترض أن ينفذ بالتزامن بين نقطتين: الأولى تسليم الجيش واللجان الشعبية ميناء الحديدة لخفر السواحل اليمنية ولادارة الميناء الرسمية، والنقطة الثانية كانت تقضي بانسحاب وحدات العدوان ومرتزقته من مداخل ومحيط الحديدة الجنوبية والشمالية الشرقية، مسافة كافية لعودة الوضع الطبيعي الى المدينة، ولاعادة تواصلها الطبيعي والضروري مع العاصمة صنعاء ومع المحافظات الشمالية.
وبعد تعثر تنفيذ بند تبادل الاسرى بسبب أخطاء العدوان ومرتزقته في تحديد المعتقلين لديه، المتعمدة أو التي حصلت عن ضعف في السيطرة وفي الادارة، لم ينفذ العدوان بند اعادة الانتشار على محيط الحديدة، بحجة ان خفر السواحل الذين استلموا ميناء الحديدة هم من انصار الله، في الوقت الذي اثبتت ادارة الميناء ان جميع عناصر خفر السواحل الذين استلموه هم من المسجلين على لوائح الميناء الرسمية والمعروفين لديها منذ ما قبل الحرب على اليمن.
يمكننا ان نستنتج من المعطيات والوقائع المتعلقة بعدم التطبيق، أن المشكلة الأساسية والعميقة التي تبعد الحل عن الحرب اليمنية وتجعل الأمور معقدة وبعيدة عن التسوية هي: ان العدوان ومرتزقته يعتبرون أن انصار الله هم مجموعة غريبة عن اليمن، وبأنهم غير مؤهلين لا قانونا ولا شرعا أن يتمتعوا بأي حقوق ادارية أو سياسية في الدولة، وحين اعتبروا أن خفر السواحل هم من انصار الله، وبالتالي يكون بند تسليم الميناء لم يطبق، كانوا يقصدون أن هؤلاء غير مواطنين وغير جديرين باستلام أي مرفق في الدولة، وهذه هي مشكلة الحرب اليمنية والتي بدون اقتناع كل اطرافها في الداخل وفي الخارج، أن جميع المكونات اليمنية لها نفس الحقوق والواجبات، لن يكون هناك حل لهذه الحرب، حتى ولو امتدت مئات السنوات.
وبما ان كل شيء أصبح واضحاً ومكشوفاً فهذا يعني أن على الأمم المتحدة ان تتخذ موقفاً قوياً في الضغط على الطرف المعرقل للاتفاق الذي هو العدوان خصوصاً أن مجلس الأمن عقد جلسة حول اتفاق السويد وأقره ودعا إلى تنفيذه وحصل مباركة وقبول من قبل دول العدوان وفي مقدمتها السعودية ولكن الواقع أثبت أنهم كانوا ولا يزالون يماطلون ويسعون الى عرقلة الاتفاق واستمرار العدوان.
اما بخصوص الذهاب إلى جولة جديدة من المشاورات كان موقف الوفد الوطني واضحاً من ذلك حيث اكدوا انهم مستعدون للذهاب لجولة مشاورات جديدة ولكن بشرط ان يتم مناقشة الإطار العام لملف السلام بشكل عام والذي يشمل كل الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية وغيرها حتى يتم الخروج بنتائج إيجابية وحلول شاملة وليس مجرد حلول جزئية كما حصل في اتفاق السويد الذي لم ينفذ بعد وأن الوفد لن يذهب إلى جولة جديدة اذا لم يحصل أي تقدم في اتفاق السويد لأنه لا يوجد هناك ضرورة لحضور أي جولة مشاورات جديدة مالم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المشاورات السابقة في السويد.