تتعالی الاصوات المطالبة بوقف التحالف على اليمن من كل مكان ويتفق الجميع ان الحل في اليمن لن يكون الا سياسيا وان الحسم العسكري لن يكون، ولن يحل ازمات اليمن المتعددة.. لكن لماذا لا يلزم المجتمع الدولي السعودية بإيقاف عدوانها على اليمن؟ ولماذا تتعثر عملية السلام منذ اربعة اعوام؟ ومن يعرقل الاتفاق بين اليمنيين؟
في الحقيقة انه لا يختلف اثنان على ان النوايا الشريرة والاهداف التوسعية لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في اليمن تقف حجر عثرة امام اي تحركات لتحقيق السلام في هذا البلد حيث لازال يصر المحمدان على استمرار عدوانهم وحروبهم على اليمن بهدف السيطرة الكاملة على البلاد وتحقيق العديد من الاهداف السياسية والاقتصادية التي دخلوا الحرب من اجلها، واهمها خلق زعامة وقيادة لهم على دول الجزيرة العربية، ولعب دور القوة الاقليمية المؤثرة في الشرق الاوسط، غير ان هذه الاهداف لم تتحقق ولم يستطيعوا ان يفرضوها على اليمنيين بعد اربعة اعوام من الحرب نظرا للمفاجئة التي اظهرها اليمنيون وحركة انصارالله من خلال مقاومتهم المستميتة وصمودهم الاسطوري الذي اذهل جميع المحللين الاستراتيجيين وشعوب العالم.
وياتي هذا الصمود في ظل حصار مشدد وحرب غير متكافئة نظرا لعامل التسلح والوضع الاقتصادي التي تعيشه هاتان الدولتان مقارنة باليمن والاوضاع التي يمر بها هذا البلد من عام 2009 حتى اليوم ومنها الصراعات السياسية والثورات المتتالية وانهيار المؤسسة العسكرية بالاضافة الى التحاق العديد من الشخصيات العسكرية والحكومية بصفوف العدوان ومساندتها للسعودية والامارات في حربهما على اليمن.
وفي ظل وضوح الدور السعودي والاماراتي في عدم رغبتهما في تحقيق السلام وعودة جميع الاطراف الى طاولة المفاوضات وايجاد حلول سلمية ومرضية لجميع الاطراف اليمنية، فإن الدور الامريكي في استمرار الحرب والصراعات في اليمن لا يقل اهمية عن الدورين السعودي والاماراتي بل ان العديد من المحللين السياسيين يرون ان دور واشنطن في استمرار العدوان على اليمن اكثر تاثيرا خاصة في هذه المرحلة.
ورغم ان امريكا مشاركة بشكل رسمي ومباشر في العدوان العسكري على اليمن من خلال الدعم اللوجستي وغير اللوجستي، فإنها ترى في استمرار الحرب فرصة ذهبية من خلال بيع الاسلحة للسعودية والامارات بصفقات كبيرة لم تتصورها واشنطن سابقا وكذلك الاموال الطائلة التي يتقاضونها من خلال دعمهم السياسي والعسكري والمخابراتي للنظامين السعودي والاماراتي في هذه الحرب التي اصبحت احد عوامل الاستحلاب الترامبي للاموال الخليجية.
ومع كل هذه المشاركة وهذا الدعم اللامحدود من قبل الادارة الامريكية فقد حاولت واشنطن خلال الاربعة اعوام الماضية مرارا وتكرارا التنصل من المسوولية الأخلاقية لهذه الحرب خاصة بعد المجازر البشعة التي ارتكبتها الطائرات السعودية والاماراتية بحق الشعب اليمني وكذلك ظهور الازمة الانسانية المتمثلة بانتشار الاوبئة والامراض والمجاعة التي اجتاحت البلاد من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها بسبب تدمير البنی التحتية واخضاع البلاد لحصار شديد برا وجوا وبحرا، وحاولت الادارة الامريكية ان تظهر نفسها بانها محايدة وانها تسعى الى ايجاد حلول للازمة وتقديم العديد من المبادرات الشكلية التي لم تصل الى طريق ولم تكن حقيقية باي شكل من الاشكال، وفي نفس الوقت فان الولايات المتحدة كانت تشدد على دعمها للنظام السعودي والاماراتي بل وتساعدهم ميدانيا، خاصة في احتلال مناطق معينة بالساحل الغربي لليمن.
ومع اعتراف الولايات المتحدة بان الحرب السعودية الاماراتية على اليمن احدثت وضعا انسانيا صعبا ودمرت البلاد بشكل كامل، الا انها كانت تبرر هذا العدوان البربري بانه يحارب ما تسميه بالنفوذ الايراني في اليمن، حتى لو كان ثمنه إبادة شعب باكمله.
ولم تكتفِ أمريكا بذلك بل ذهبت هي والنظامان السعودي والاماراتي في بعض مؤتمراتهم الصحفية ومسرحياتهم السياسية الى تحميل مسؤلية تدهور الوضع الانساني واستمرار الحرب للجمهورية الاسلامية الإيرانية تحت مبرر دعم إيران بالاسلحة لحركة انصار الله وان ذلك اطال امد الحرب في اليمن حسب زعمهم.
وتاتي هذا الاتهامات في ظل معرفة الجميع بالحصار المطبق الذي يفرضه تحالف العدوان على اليمن برا وبحرا وجوا واستحالة تقديم اي دعم لليمنيين في مثل هذه الظروف، بل ان واشنطن تناست انه لو لم يكن هناك دعم سعودي واماراتي للمرتزقة بهذا الشكل لما شنت هذه الحرب اساسا، بل ان الموافقة الامريكية والدعم الامريكي للنظامين السعودي والاماراتي وحثهم على غزو اليمن وضربه بالصواريخ والطائرات والقنابل الامريكية واعطائهم غطاء سياسيا لارتكاب ابشع الجرائم والمجازر ادى بشكل قطعي الى هذه الكارثة بحق اليمنيين.
وقد كشفت العديد من المنظمات والشخصيات السياسية والحقوقية الدور السلبي لواشنطن في اليمن وان الادارة الامريكية لا ترغب في ايقاف هذه الحرب نظرا للفوائد المادية والسياسية والاقتصادية عليها، فيما اعتبر العديد من المحللين ان النظامين السعودي والاماراتي مجرد ادوات في يد الادارة الامريكية.
وفي احدث المواقف من هذه المنظمات الدولية التي تعتبر بعضها منظمات امريكية دعت خمس منها باعتبارها من أكبر منظمات الإغاثة الدولية، الولايات المتحدة إلى وقف دعمها العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، محذرة من استمرار الدعم الأمريكي وتحمل واشنطن مسؤولية ما قد تكون أكبر مجاعة في العقود المقبلة.
واصدرت هذه المنظمات بيانا مشتركا وهي أوكسفام، كير، لجنة الإنقاذ الدولية، منظمة أنقذوا الأطفال، ومجلس اللاجئين النرويجي.
وجاء في البيان الذي يعتبر شهادة على الدور الامريكي السلبي أن الدعم العسكري الأمريكي يطيل امد الحرب في اليمن مضيفة ان توفيرالدعم العسكري والدبلوماسي المكثف للسعودية والامارات ادى الى اطالة الحرب وعمق الازمة الانسانية باليمن وان لهذه الازمة عواقبا فوريةوشديدة على البلاد، وان المدنيين من يدفعون الثمن.
وبهذه الاشارة الواضحة من اكبر المنظمات الانسانية واكثرها مصداقية يتبين ان واشنطن اكبر المعيقين لعملية السلام في اليمن باعتبارها الداعم الاول والاكبر لاستمرار بن سلمان وبن زايد في حروبهم ومغامراتهم باليمن.
ومن هذا المنطلق فانه اذا توقفت المشاركة والدعم الامريكي في هذه الحرب نستطيع ان نتحدث عن نوايا سلام في اليمن باعتبار بن سلمان وبن زايد لا يستطيعان الاستمرار بمفردهما في الحرب على اليمن، كما ان قطع الدعم العسكري والمادي عن المرتزقة اليمنيين على الارض سوف يجبرهم للجلوس الى طاولة الحوار والبحث عن حلول للازمة السياسة الداخلية، فتاجر الحرب اليمني الذي يقيم في قصور الرياض وابوظبي والمتسلح بصواريخ وطائرات وقنابل امريكية واموال سعودية اماراتية طائلة لن يميل للسلام والحوار وايجاد حلول الا بعد تجريده من كل هذه الامتيازات والضغط عليه للجنوح للسلم وانقاذ ملايين البشر من الموت جوعا.
لذلك فمن الواضح ان السلام في اليمن لايزال بعيدا رغم الماساة والازمة الانسانية الكبيرة جدا الا اذا حصل تغير مهم وكبير في امريكا من خلال الضغط على ادارة ترامب في ايجاد حلول سلمية في اليمن تبدا بالتخلي ولو سياسيا عن بن سلمان والضغط عليه في اطار ايقاف حربه الهمجية على الشعب اليمني.
وفي هذا الاطار ومع اهتمام وسائل الاعلام الامريكية في الاونة الاخيرة بموضوع الازمة الانسانية في اليمن وكذلك تكاثر ردود الافعال المنددة بالحرب داخل الكونغرس الامريكي والنخبة السياسية فان هناك تحركات جديدة لايقاف الحرب، حيث اعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بوب كوركر إن الكونغرس سيصوت قريبا على إنهاء التورط الأميركي في حرب السعودية باليمن غير ان العديد من المحللين يرون ان التحرك في الكونغرس قد لايؤدي الى ضغط حقيقي على ترامب وحكومته بخصوص ايقاف الدعم للسعودية باعتبار ان الولايات المتحدة تحكمها شركات الضغط والاسلحة وهذه الشركات لا يفيدها ايقاف العدوان والحرب بل ان استمرار هذه الحرب في صالحها.