أمل اليمن … والبراءة المذبوحة
وأخيراً، عرجت روح أمل إلى بارئها لتكون سفيراً لكل أولئك الأطفال اليمنيين الذين يُذبحون كل يوم بدمٍ باردٍ، وعلى مرأى العالم جميعاً.
ذهبت لتشهد في محكمة العدل الإلهية المنصوبة في كل الأوقات، بأن يزيداً والحجّاج وكل المجرمين قد بُعثِوا من جديد، وأن أطفال مسلم بن عقيل الذين ذبحوا في العصر الأول، يُذبحون من جديد، وبآلات أكثر تطوّراً، ومن جهات كثيرة تدّعي أنها تؤمن بحقوق الإنسان، بينما هي تهتزّ لقتلِ شخصٍ واحدٍ، ولا تهتزّ لملايين الأطفال الذين يُشرّدون ويُقتلون ويجوّعون وتُصيبهم كل أنواع الأوبئة.. ولا أحد يهتم بهم، بل الكل يُبارك لجلاّديهم.
ذهبت لتشهد في محكمة العدل الإلهية بأن مَن يتصوّرون أنهم حُماة الحَرمين، قد اشتروا من كل مجرمي العالم وقطّاع طُرُقه أغلى أنواع الأسلحة وأفتكها، لا ليضربوا بها عدوّهم الذي احتلّ أرضهم، ولا ليحموا بها أمنهم الذي وكّلوه لأعدائهم، وإنما ليضربوا بها ذلك الشعب الفقير المسكين المستضعَف، ليُخيّروه بين الولاء لهم، وللصهاينة، والشيطان الأكبر، أو الموت بكل ألوانه: الأسود والأحمر والأبيض.
ذهبت لتُخبره أن منابر الحرَمين الشريفين، والتي ورثها علماء السلطان من سلفهم من أتباع يزيد ومروان والحجّاج، لا يزالون يرتقون تلك المنابر، ولا يزالون يسبّحون بحمد العُتاة والطُغاة والمستبدّين، ولا يزالون يردّدون ما ردّده سَحَرَة فرعون قبل توبتهم، وقولهم: { بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } [الشعراء: 44]، ولا يزالون يطلبون من الظلمة أن يملأوا أرض اليمن خراباً ودماء.
وذهبت لتخبره أن تلك الحركات التي زعمت أنها تريد أن تستعيد شريعة ربها، وحاكميّته، ولغت هي الأخرى في دماء أطفال اليمن، ونسائه، وشيوخه، ورجاله، وأنها اهتمّت بكل القضايا، وندّدت بكل الجرائم إلا الجرائم التي تحصل في اليمن، لسببٍ بسيطٍ، وهو ذلك الحقد الذي ورثته من كل متعلّق بأهل بيت النبوّة، مثلما فعل قتلة أطفال مسلم بن عقيل تماماً، والذين كانت جريمتهم الوحيدة هي تلك النسبة الشريفة التي ينتسبون إليها.
ذهبت أمل لتخبر الله وملائكته ورسله وأولياءه أن الرحمة قد ارتفعت، والعدل قد رفع، وأن المظالم صارت تجارة رائجة، والكل يصفّق لها..
ذهبت جائعة ظمآنة في نفس الأيام التي حصلت فيها أعظم ملحمة في التاريخ، ملحمة كربلاء، لتكون شهيدة الجوع والضمأ.. ولتحيي بشهادتها شهادة عبد الله الرضيع، وعلي الأكبر، والقاسم بن الحسن، وأبي الفضل العباس، وسيّد الشهداء.. وغيرهم كثير.. أولئك الذين استشهدوا، وهم يحنّون إلى قطرة ماء.
ولست أدري ماذا نفعل بعد ذهابها، وبعد تلك النظرات الأليمة التي نظرت بها إلى العالم، وهي تودّعه.. هل نبكيها، أم نبكي أنفسنا نحن الذين شهدنا موتها من غير أن نحرّك ساكناً، أو نقوم بأية حركة تدعو إلى اجتثاث الاستبداد والفساد والظلم.
هل نبكيها أم نبكي أولئك العُلماء والدُعاة أصحاب البطون الكبيرة، والسيارات الفخمة، والذين امتلأت الأرض من نعيقهم ونهيقهم.. ولم نسمع أحداً منهم في يومٍ من الأيام يدعو إلى وقف المجازر، والكفّ عن الظلم.. بل الكل بارك، والكل شارك، والكل راح يستعمل ما في جعبته من كلام ربّه المقدّس ليبرّر الجريمة.
لا نمتلك في الأخير إلا أن نعتذر لها، ولكل أطفال اليمن، بل لكل شعب اليمن المسكين.. ونقول له: صبراً أيها الشعب المبارك، فأنت في طريق النصر، وسيأتي اليوم الذي يظهر فيه المختار، وستقطع رأس حرملة، وسيُلعن الناس يزيداً من جديد.. وستكون أنت ـ بصبرك وتضحيتك ـ أيقونة النصر القادم، وصاحب راية التي لا تضلّ، وصاحب النصر الذي لا يعرف الهزيمة.