معاناة مرضى سرطان الدم في اليمن تتفاقم مع استمرار الحرب
في اليمن، يمر الملايين من السكان بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث. وبينما نعيش في زمن أصبحت فيه البنية التحتية والخدمات الأساسية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، يكافح المواطن اليمني لتلبية احتياجاته الأساسية البسيطة مثل الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والغذاء والرعاية الصحية الأولية. تُهدر الطاقات الإنسانية للمواطن اليمني التي يجب أن تبذل من أجل التنمية وبناء القدرات بينما يكافح على مدى سنوات طويلة فقط من أجل البقاء.
حوالي أربع سنوات من الحرب كانت كفيلة بدفع النظام الصحي الهش إلى حافة الانهيار. يصعب على المصابون بالأمراض المزمنة الحصول على العلاج أكثر من أي وقت مضى. ويجبر الوضع الحالي ٣٥٠٠٠ مريضاً بالسرطان – وما يقارب من ١٠,٠٠ حالة جديدة يتم تشخيصها كل عام – على أمل البقاء على قيد الحياة فقط وليس الازدهار. خلال الحرب، تضررت تقريباً نصف المستشفيات والمرافق الصحية في اليمن، مما أودى بالنظام الصحي لحافة الانهيار.
يُعد مركز علاج لوكيميا الأطفال في صنعاء الوحيد من نوعه في اليمن من حيث التخصص. ومع غياب الدعم الحكومي يبقى المركز بحاجة ماسة إلى الإمدادات الطبية حيث أن ما يتوفر لدى المركز حالياً لا يغطي سوى جزءاً قليلاً من احتياجات المرضى.
يجلس تامر عبد القادر، ٧ سنوات، إلى جانب والدته، حيث دفعه الألم في مفاصله للقدوم من محافظة الحديدة إلى صنعاء قبل أربعة أشهر رفقة عائلته. لسوء الحظ، تم تشخيصه بشكل خاطئ أكثر من مرة قبل قدومه لمركز علاج اللوكيميا بصنعاء حيث يتلقى حالياً العلاج المتخصص.
لا تمتلك أم تامر أي دعم بما في ذلك زوجها. تقول: “بعد معرفة زوجي بإصابة تامر باللوكيميا، أخبرني أنه بمثابة الميت بالنسبة إليه، وتركنا لوحدنا دون أي دعم مادي”.
بعد أن أجبرت للانتقال لصنعاء، حملت أم تامر معها أعباء الديون وتركت أخوة تامر في الحديدة في رعاية جدتهم التي تضطر لبيع ممتلكاتها لتغطية نفقاتهم.
ضعف وفقر وافتقار للإمدادات
يعاني مركز علاج اللوكيميا بصنعاء من ضغط هائل يتخطى حجم قدراته وإمكانياته كونه المركز الوحيد المتخصص في اليمن. الأعداد الكبيرة من المرضى القادمين من مختلف المحافظات تفوق السعة والإمدادات الطبية المتوفرة. يقول مدير مركز علاج اللوكيميا الدكتور عبد الرحمن الهادي: “يعجز العديد من المرضى القادمون إلى المركز عن شراء حتى اللوازم الأساسية مثل السوائل الوريدية أو دواء السعال.”
في إحدى الغرف المكتظة بالمرضى والمرافقين، تنام شيماء البالغة من العمر سبع سنوات مع والدتها التي ترافقها. في غطاء رأسها وردي اللون، يبدو وجهها المتعب أكثر صغراً بالرغم من أن عينيها لا تزال تشعان بالأمل. تم تشخيص شيماء باللوكيميا قبل بضعة أشهر بعد تعرضها لحادث سير أصاب ساقيها.
“كانت خائفة جداً وأصابتها الحمى لبضعة أيام بعد وقوع الحادث. بعدها أُصيبت بألم في المفاصل وقمنا بإسعافها للمستشفى.” تقول أم شيماء.
قبل قدومهم لمركز علاج اللوكيميا، تم رفض دخولها إلى مستشفيين. تضيف أم شيماء: “ليس لدينا مكان نلجأ إليه ولذا نتنقل من مكان لآخر أو نبقى مع بعض الأقارب.”
تواجه العديد من أسر المرضى ممن يعانون من أمراض مزمنة ظروفاً قاسية وصراعاً مستمراً للحصول على الرعاية الطبية. في حين أن الفقر ونقص الموارد والرعاية الطبية بات أمراً شائعاً لملايين اليمنيين. يحتاج حوالي ٧٥٪ – حوالي ٢٢.٢ مليون شخص- للمساعدات الإنسانية والحماية. أكثر من النصف -١١.٣ مليون – بحاجة ماسة للمساعدة، بزيادة قدرها مليون شخص منذ يوليو ٢٠١٧.
ولا تزال أعداد المرضى المترددة على مركز اللوكيميا بصنعاء من جميع المحافظات في تزايد مستمر، في حين يفتقر المركز بشدة للمستلزمات الطبية والعلاج الكيميائي. ويتم تغطية ما لا يزيد عن ٢٠٪ فقط من احتياجات المرضى، كما أن معدل الوفيات ارتفع بأعداد غير مسبوقة. ويشرح الدكتور الهادي: “في بعض الأحيان لا يستطيع المرضى شراء اللوازم التي لا يغطيها المركز، فيضطر الدكاترة لشرائها بأنفسهم عطفاً عليهم.” ومع ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي بشكل كبير تضاعفت أسعار الأدوية في حين يكافح معظم الناس للحصول على قوت يومهم.
حاشد، ٦ سنوات، أصيب باللوكيميا منذ خمسة أشهر. يبدو حاشد منهكاً وهو يجلس على سريره شاحذاً عيناه على شاشة تلفاز صغيرة معلقة بالحائط تومض بأغاني أطفال. اضطرت أمه للانتقال إلى صنعاء من محافظة إب مع أطفالها الثلاثة ليتلقى حاشد العلاج. “بدأت معاناته أولاً مع ألم في ساقيه وبعدها لم يتمكن من المشي،” تقول أم حاشد.
يحتاج حاشد إلى السفر للخارج لتلقي العلاج الغير متوفر في اليمن بحسب تقارير المركز، ولكن الفقر منعهم من تحمل نفقات السفر الباهظة. “بالكاد نستطيع تحمل تكاليف العلاج هنا، حتى أننا نضطر لشراء النوع الأقل جودة والأقل تكلفة.” تحكي أم حاشد بأسى.
يعايش الدكتور الهادي واقعاً حزيناً بشكل يومي يعكس الواقع العام في اليمن في ظل الحرب. ويوضح: “في كثير من الأحيان يؤدي عدم توفر الأدوية المنقذة للحياة في المركز إلى وفاة المرضى. بعض الأدوية تكلف ١٠٠ دولار أو أكثر، ولا يمتلك الناس حتى جزءاً من هذا المبلغ. وما يزيد الوضع سوءاً هو مواصلة العاملين الصحيين العمل بلا كلل لساعات طويلة دون الحصول على مرتباتهم لإعالة أسرهم”.
تواصل منظمة الصحة العالمية دعمها لمركز مكافحة الأورام بصنعاء وفروعها في جميع المحافظات بالأدوية المضادة للسرطان والعلاجات الكيميائية الأساسية والمنقذة للحياة. هذه الأدوية كافية لتغطية النقص الحاد في الأدوية لأكثر من ٣٠,٠٠٠ مريضاً بالسرطان لمدة عام واحد، ولكن هذا غير كافٍ. يجب تكثيف الجهود وإلا فإن أعداد الناس التي تموت بسبب أمراض يمكن الوقاية والعلاج منها ستستمر في الازدياد.