“التاريخ والثقافة والتراث”: ضحايا الحرب في اليمن

خلال الثلاث سنوات الفائتة، تورط التحالف في اليمن في تنفيذ هجمات واعتداءات طالت العديد من الممتلكات الثقافية، بما فيها مواقع أثرية ومعالم تاريخية تعود لما قبل ألفي سنة وأكثر. لقد كان للتدمير الذي طال آثار الحضارة اليمنية القديمة والحديثة والمباني التاريخية والدينية، حضوراً لافتاً بوصفه أبرز مظاهر انزلاق البلاد إلى هاوية حرب بلا قرار.

 

واليمن من أثرى دول المنطقة والعالم بالتراث التاريخي العمراني، فقد شهد أول حضارات العالم ويعود تاريخه لما قبل الميلاد، وصنعاء العاصمة من أقدم المدن في العالم التي لاتزال مسكونة ..

 

لكن هذا التراث الذي صمد لآلاف السنين يبدو وبعد ثلاث سنوات من الحرب في اليمن مهدد بالزوال. فقد تسببت الحرب بتدمير ٤ آثار تاريخية قديمة، ٤ مدن تاريخية مدرجة على لائحة التراث العالمي، ٨ معالم أثرية في مختلف المحافظات، متحفان كبيران، و ١٠ آثار دينية.

 

وعن هذه الكارثة الثقافية، أصدرت المنظمة اليمنية “مواطنة لحقوق الإنسان” تقريرها السنوي لعام ٢٠١٨ بعنوان “تجريف التاريخ: إنتهاكات أطراف النزاع للممتلكات الثقافية في اليمن”، الذي عرض معلومات تفصيلية، عن تكافة أطراف الصراع والتحالف ومجموعات إرهابية اخرى في تدمير ممنهج للمعالم التاريخية اليمنية على مرّ سنوات حرب مازالت مشتعلة منذ عام ٢٠١٥.

حارة القاسمي – صنعاء

يتناول ” تجريف التاريخ” الذي يبلغ عدد صفحاته ٨٩ صفحة، إنتهاكات أطراف النزاع للممتلكات التاريخية في اليمن، مستنداً على الإستقصاء الميداني وهو ما باشرت فيه “مواطنة” منذ عام ٢٠١٤ إلى عام ٢٠١٨.

 

وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “إن الحرب الدائرة في اليمن أتت على كل شيء و لم تدخر بعيداً، حياة اليمنيين وممتلكاتهم الثقافية، بما في ذلك ماضيهم التليد، ومتّحدهم الثقافي، وذاكرتهم الجمعية. ليس ذلك خسارة لليمنيين فحسب، بل للتراث الثقافي لجميع الشعوب”.

 

يوثق تقرير “تجريف التاريخ” أنماطاً مختلفة ومتعددة من الانتهاكات والاعتداءات التي نفذتها كافة أطراف النزاع في اليمن كالقصف الجوي الذي يشنه التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. ويوثق التقرير أيضاً الهجمات البرية، التفجير، التخريب والهدم، وإلحاق أضرار متفاوتة الجسامة، علاوة على تدبير أعمال عدائية من جوار هذه الأعيان الثقافية، بما في ذلك الاستخدام المتعمّد لها لأغراض عسكرية مباشرة.

 

وتقول “مواطنة” في تقريرها الذي أصدرته كمقدمة للتقرير أنه “بينما كانت “مواطنة” تضع اللمسات الاخيرة على هذا التقرير، كان مسلحون سلفيون تدعمهم الإمارات العربية المتحدة يهدمون بجرافة مسجداً أثرياً عمره 1200 سنة في منطقة الفازة بمديرية التحيتا في محافظة الحديدة، بحجة أن به ضريح يزوره الناس”.

ومع تصاعد وتيرة النزاع المسلح في اليمن، سيطرت مليشيا مسلحة تابعة للإمارات على منطقة الفازة بعد أن كانت في قبضة أنصار الله. وحتى صباح الاثنين 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كان المسجد الأثري المطل على الساحل الغربي ما يزال قائماً ، لكنه في نفس اليوم عند الساعة 1:00 ظهراً تحول الى كومة من التراب، ليفقد بذلك اليمن أثراً من آثاره الثقافية إلى الأبد.

 

يستند تقرير “تجريف التاريخ” إلى بحوث ميدانية استقصائية، أجرى خلالها فريق من وحدة البحث في “مواطنة” ، تحقيقاً مستفيضاً في تسع محافظات يمنية. وتمّ توثيق وقائع هذا التقرير في سياقات مختلفة ممتدة منذ النصف الثاني من العام 2014، ولمدة ثلاث سنوات. كانت الوقائع في هذه السياقات نتاج أنواع مختلفة وأنماط مركبة من الانتهاكات والاعتداءات التي طالت العديد من الأعيان الثقافية في اليمن. ويعرض التقرير 28 واقعة انتهاك من بين 34 واقعة وثقتها “مواطنة”، عن تعرض المعالم الأثرية والدينية لأنواع مختلفة من الاعتداءات والانتهاكات المباشرة وغير المباشرة.

 

وطال البحث الميداني تسع محافظات يمنية شهدت إشتباكات وتبادلاً للقصف بين أطراف النزاع كان ضحاياه إلى جانب البشر، ممتلكات تراثية قيمة. ولتحصيل المعلومات الدقيقة تواصلت المنظمة مع ٧٤ يمنياً ورصدت ٣٤ موقعاً تعرضوا لإعتداءات إما بالقصف الجوي أو بهجمات برية أو بمتفجرات نفذتها مجموعات إسلامية متطرفة أو بنيّة تخريبها لعدم ملائمتها مع أيديولوجيا المعتدين.

حارة الفليحي – صنعاء

يطرح التقرير تأجج المنحى العدائي لأطراف النزاع نتيجة غياب المساءلة القانونية الدولية وملاحقة المتورطين قضائياً، فقد اندفعت الجهات المتنازعة  لتدمير التراث والممتلكات الثقافية نتيجة ثقتها بقدرتها على التفلت من العقاب لتقوم بعض الأطراف بتدمير المعابد والمنازل والقلاع والقصور والمدن الأثرية  دون شعور بأدنى قدرٍ من المسؤولية تجاه التراث اليمني العريق.

 

ففي تعز، وثقت المنظمة قيام مجموعة متطرفة تنشط في مناطق موالية لحكومة هادي، بتدمير معلما “قبة السودي، وقبة الرميمة”، وهما معلمان دينيان كانا مقصداً لليمنيين لإحياء المناسبات الدينية، بينما دمر  “أنصار الله”، معبد الهندوس، وكنيسة سانت جوزيف في عدن، وحطموا التماثيل، وذكر شهود عيان لـ”مواطنة” أنه بعد مغادرة الجيش واللجان لكنيسة سانت جوزيف إستولى عليها تنظيم القاعدة فأشعلوا النار في المبنى، وتكرر السيناريو نفسه في كنيسة شيلدن في محافظة عدن.

يطرح التقرير تأجج المنحى العدائي لأطراف النزاع نتيجة غياب المساءلة القانونية الدولية وملاحقة المتورطين قضائياً، فقد اندفعت الجهات المتنازعة  لتدمير التراث والممتلكات الثقافية نتيجة ثقتها بقدرتها على التفلت من العقاب لتقوم بعض الأطراف بتدمير المعابد والمنازل والقلاع والقصور والمدن الأثرية  دون شعور بأدنى قدرٍ من المسؤولية تجاه التراث اليمني العريق.

 

ووثقت “مواطنة” تدمير ١٥ موقعاً أثرياً في مدينة براقش التاريخية والبوابة الشمالية  في قصف طيران التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، فقد كانت هذه المواقع تحت سيطرة “أالجيش واللجان الشعبية”، الذين استخدموها كمواقع عسكرية.

 

وفجرت مجموعات إرهابية سيارة في حضرموت التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي ما سبب بتدمير ٢٤٠ منزلاً طينياً فيها.

ومن بين ما وثقته “مواطنة”، يوميات النزاع المسلح في عدن الذي أسفر عن نسف أجزاء من المتحف الوطني للآثار، وتدمير طيران التحالف مواقع تاريخية في مدينة صنعاء، كحصن كوكبان، وجامع الهادي في مدينة صعدة القديمة، والمتحف الحربي في عدن، والذي بدوره تعرض لاحقاً لهجوم عسكري.

 

وطالت غارات قوات التحالف العربية حارة القاسمي وحارة الفليحي في مدينة صنعاء القديمة. تضم المدينة بساتين قديمة جداً وبيوت أثرية، وفي الغارات التي إستهدفت الحارتين سقط مدنيين، وبحسب المنظمة اليمنية كانت الحارتان خاليتان من أي تواجد عسكري لحظة قصفهما.

ووجهت “مواطنة” نداءً إلى المجتمع الدولي، التدخل لحماية ما تبقى من آثار، وحثه على إدراج الممتلكات التاريخية ضمن قائمة الحماية المعززة، التي تبناها بروتوكول لاهاي عام ١٩٩٠ وإعلان أسماء الجهات العسكرية التي تقوم بالهجوم لأن الكشف عن أسمائهم للإعلام سيحجم تصرفاتهم العدائية.

ودعت “مواطنة” أطراف النزاع ومنظمات دولية معنية بحماية الآثار بضرورة العمل على وقف النزاع العسكري الذي تسبب بمقتل آلاف الأبرياء  والإجهاز على البعد الثقافي، التاريخي، والعمراني الذي يشتهر به اليمن في المنطقة العربية.

قد يعجبك ايضا