الانهيار الكبير للاوضاع الانسانية في اليمن يبدو انه واقع لا محالة، فبعد ثلاث سنوات ونصف من بدء ما يسمى بعملية انقاذ اليمنيين التي اعلنتها السعودية اثناء عدوانها على اليمن اصبحت اسوأ عملية انقاذ في العالم وتسببت في اكبر كارثة انسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم حسب تقارير الامم المتحدة.
العدوان السعودي الاماراتي على اليمن منذ البداية استخدم عددا من الاساليب غير العسكرية لاخضاع اليمنيين واجبارهم على الاستسلام . الحرب الاقتصادية والتجويع الممنهج للملايين كانت احد هذه الاساليب السعودية، غير ان هذه الحرب دخلت في الاونة الاخيرة مرحلة جديدة ما ادى الى تفاقم الازمة الاقتصادية وانهيار العملة اليمنية بشكل غير مسبوق ويقول خبراء اقتصاديون ان سبب الانهيار الاقتصادي هو استمرار الحرب وسياسة التجويع التي انتهجتها الرياض وابوظبي من اجل اجبار اليمنيين على الاستسلام. كما ان دول العدوان من خلال حربها الاقتصادية سعت الى سحب العملة الصعبة من اليمن وطباعة مليارات الريالات اليمنية بدون غطاء اقتصادي ما ادى الى انهيار العملة اليمنية امام العملات الاجنبية بشكل كبير، هذا وكانت السعودية قد قامت بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن ما ادى الى توقف مرتبات مليون ونصف من الموظفين ما انعكس سلبا على حياة ملايين اليمنيين في الشمال والجنوب.
الحرب الاقتصادية التي انتهجتها السعودية والامارات وتواصل العدوان العسكري ادوا ايضا الى تفاقم الاوضاع الانسانية حيث تزايدت حالات الوفاة بسبب سوء التغذية وضربت المجاعة المئات من القرى والارياف اليمنية خاصة في محافظات الحديدة وحجة وتعز واب وابين والضالع وعدن واصبح الملايين من اليمنيين في حالة فقر مدقع وجوع مطبق.
الحرب السعودية هذه التي جاءت -كما تقول السعودية ومرتزقتها- لانقاذ اليمنيين من ايران، ادت باليمن الى انهيار تام واصبحت ازمة اليمن اكبر ازمة عالمية حسب تقارير الامم المتحدة.
وقد نشر ناشطون يمنيون مقاطع فيديو لعدد من النازحين من مدينة الحديدة وهم يسكنون المقابر في مدينة عدن وقالوا ان الامارات والسعودية لم تقدم حتى الماوى لهؤلاء المشردين الذين تقطعت بهم السبل بسبب الحصار والقصف السعودية المستمر على قراهم ومدنهم. كما ان ازمة المشتقات النفطية بسبب الحصار المفروض على الموانئ اليمنية عادت هذه الايام الى الواجهة، حيث تشهد جميع المدن اليمنية ازمة خانقة، حتى المدن التي تقع تحت احتلال السعودية والامارات في الجنوب او شرق اليمن. ويقول معظم اليمنيين حتى اولئك الاشخاص الذين كانوا يؤيدون السعودية في البداية، ان هذا التجويع سياسة متعمده من قبل السعوديين والاماراتيين لتجويع الجميع حتى المحافظات التي تحت سلطتهم من اجل ان يبقى الشارع هناك في ايديهم وتحت امرهم اولا، وثانيا يهدف الى تجويع الشارع من اجل ان يتجه الى التجنيد والعسكرية تحت الاوامر السعودية الاماراتية.
مرتزقة العدوان الذين كانوا يؤيدون ويناصرون السعودية والامارات يبدو انهم في الاونة الاخيرة صحوا من سباتهم العميق وادركوا ان التجويع السعودي الاماراتي لا يعني فقط خصومهم في المناطق التي تقع تحت سلطة الجيش واللجان الشعبية حيث انعكست هذه السياسة ضدهم وتوقفت مرتباتهم وكذلك ضربت مناطقهم المجاعة وانهارت العملة والاوضاع الاقتصادية بشكل تام. ففي الاونه الاخيرة ارتفعت الاصوات من داخل المناطق التي يسيطر عليها العدوان حيث تشهد حاليا عدن والمهرة والمكلا والعديد من المدن الجنوبية انتفاضة شعبية تطالب باسقاط حكومة هادي كونها مجرد اداة كارتونية في يد الرياض وتطالب ايضا برحيل القوات المحتلة التي لم تقدم لهولاء اي خدمات اساسية او انسانية بل ان اكثر من 99 بالمئة من المواطنين والمرتزقة الذين صدقوا الدعاية السعودية في بداية العدوان حول تحويل عدن الى دبي ثانية وضم اليمن الى مجلس التعاون اصبحوا يعتقدون ان كل هذه الوعود كانت كذبة وخديعة سعودية اماراتية وان هذا الدول لا تريد الا مصالحها الشخصية فقط، بل ان الاوضاع اليمنية الان اصبحت اسوأ الف مرة من الاوضاع السابقة قبل “عاصفة الحزم” التي سميت فيما بعد بإعادة الامل. الجنوبيون الذين ايضا دعموا التحالف السعودي في امل فك الارتباط وتاسيس دولة جنوبية اصبحوا يندبون حظهم بعد ان حولت الامارات الجنوب الى عشرات المناطق المنفصلة والمجزأة التي يتحكم فيها العديد من المليشيات ومعظم قاداتها من القاعدة وداعش. كما ان الفوضى الامنية والاغتيالات ونهب الاموال والممتلكات هي السمة السائدة للوضع في الجنوب وتعز اليوم.
وفي ظل ما يحصل اليوم ارتفعت اصوات عديدة في الساحة اليمنية خاصة، في جانب القوى المؤيدة لحكومة عبدربه منصور هادي، تطالب “بتنفيذ ثورة شعبية ضد الجميع” بسبب سوء الأوضاع المعيشية، في إشارة إلى حكومة هادي والسعودية والامارات. ودعا نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي إلى خروج اليمنيين في ثورة أطلقوا عليها “ثورة الجياع”، للتنديد بالتدهور الشديد في الوضع المعيشي باليمن لدرجة أودت بحياة أطفال في عدد من المحافظات.
وتعتبر هذه الدعوة تحولا جديدا في المشهد اليمني وصحوة ضمير لبعض من أيد وناصر العدوان السعودي منذ البداية، وبينما تسعى السعودية الى تحميل حركة انصار الله المسؤولية عن الوضع الانساني الحاصل في اليمن يقول الكثير من المحللين السعوديين ان المسؤولية الكاملة للاوضاع الاقتصادية والانسانية الحاصلة في اليمن تتحملها الرياض وابو ظبي كونهم من بدأ هذه الحرب واتخذ سياسات غير اخلاقية وغير انسانية ضد اليمنيين من اجل اخضاعهم وكسر إرادتهم، كما ان حكومة هادي تحولت هي الاخرى الى تحميل الامارات هذا الانهيار الانساني بسبب طردها حكومة هادي وعدم تمكينها من العمل السياسي والميداني في اليمن، غير ان الكثير من المراقبين يؤكدون ان حكومة هادي مجرد اداة لا تقدم ولا تاخر وان المسؤولية الكاملة عن هذه الازمة والفاجعة الانسانية تتحملها الرياض وابوظبي، فهم من يتحمل المسؤولية القانونية تجاه اليمنيين اولا والمجتمع الدولي ثانيا، فاليمن قبل عدوانهم وحربهم كان يختلف تماما عن ما هو عليه اليوم. بعد اربع سنوات عجاف لم تترك السعودية والامارات اي سلاح فتاك الا واستخدموه ضد اليمنيين كما استهدفوا البنية التحتية واحدثوا دمارا هائلا يصعب وصفه