السعودية.. حرب مليئة بالكراهية
أصبح من الواضح اليوم أنه لا توجد “مبادرة سياسية” من أجل إنهاء الأزمة اليمنية التي أصبحت آفاقها المستقبلية غير واضحة، ومع ذلك، فهناك الكثير من الحديث عن “اتفاق سياسي” و “سلام”، وفي الوقت نفسه يتحدث عن الكثير من الجهود الخارجية لإجبار المعتدين على قبول “الخطة السياسية”، وعلى الطرف المقابل تسعى السعودية بنظامها الطائفي الوهابي إلى إسقاط أي مبادرة تقوم على الاعتراف بأنصار الله على المستوى الدولي حتى الآن، وفي سبيل ذلك منعت الطائرة العمانية من الهبوط في مطار صنعاء لنقل الوفد التفاوضي اليمني إلى جنيف، وفي هذا المقال سنقوم بعرض بعض النقاط المهمة حول اليمن والمفاوضات السياسية علّنا نفهم إلى أين يسير الأمر في المستقبل القريب أو البعيد.
1- فشل التحالف العربي- الغربي ضد اليمن مرة أخرى في الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث يسعى هذا التحالف المزعوم منذ أوائل شهر رمضان إلى يومنا هذا لكسر مقاومة الشعب اليمني على الشواطئ الغربية لمحافظة الحديدة الاستراتيجية بهدف فصلها عن المدن اليمنية وخاصة العاصمة صنعاء، وخلال الأسابيع القليلة الماضية أطلقت الإمارات وحليفتها السعودية حملة عسكرية كبيرة بهدف إسقاط المدينة لكنها مُنيت بالفشل الذريع، ومن هنا أثبتت المعارك الأخيرة فشل الحلّ العسكري مرّة أخرى، وأن الحوار هو الحل الأنسب من أجل إنهاء الأزمة، وفي هذا السياق، ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، فإن العملية العسكرية للسيطرة على الحديدة، سينتج عنها تعطّل كبير للتدفقات التجارية للأغذية والوقود المستوردة عن طريق ميناءي الحديدة والصليف، خاصة إذا تعرّضت مرافق الميناء للتلف، ما سيزيد من أزمة التغذية في اليمن الذي يعاني أصلاً بالفعل من أزمة غذاء بسبب الحصار والحرب.
2- إن الهزائم المتكررة للخطط العسكرية في اليمن لا تعني أن السعوديين سيتوقفون عن ارتكاب المجازر بحق الأبرياء، حيث إنهم لم يتوصلوا لفكرة أن الحل السياسي يصبّ في مصلحتهم أيضاً، كما تعتقد السعودية أن الخطة السياسية أعطت الشرعية الدولية لأنصار الله، وبسبب ذلك تستمر منذ ذلك الحين بحصار اليمنيين، كما أن اعترافها بأنصار الله سيمنح الأخيرة قوة غير مسبوقة في اليمن.
3-في أعقاب الحرب الحالية، اشتعلت المنطقة الجنوبية من اليمن أيضاً، ومنذ حوالي شهرين، وبعد أن أدرك قادة الجنوب أن الإمارات والسعودية يستغلونهم كي يحققوا مصالحهم على حساب الأهداف التي ثاروا من أجلها، كانت هناك مظاهرة حاشدة بين محافظة عدن ومحافظة المهرة تدعو إلى انسحاب القوات السعودية والإماراتية من المنطقة واصفة إياهم بالاحتلال، وفي غضون ذلك، كانت المظاهرات في مقاطعتي “المهرة” و “شبوة” أكثر حدّة، وانضمت بعض السلطات المحلية العليا في هذه المحافظات إليها أيضاً.
وتثبت هذه المظاهرات فشل التحالف السعودي الإماراتي في الحرب، ومن ناحية أخرى، عدم ثقة الجنوبيين بالوعود السعودية الإمارتية حيث ظهرت مؤشرات على تخلف التحالف العربي المزعوم بالاعتراف باستقلال الجنوب، ونذكر أنه منذ حوالي شهرين ونصف، قال حسن باعوم، أحد قادة الجنوب الذي أرسل مناصريه للمشاركة في حصار الحديدة: ” لقد تم إنجاز التصعيد الثوري في مراحله الأولى بنجاح تام ابتداء من سحب الكثير من أبنائنا من بعض الجبهات، ورفض البعض الآخر الانصياع لأوامر توزيعهم خارج حدود وطننا الغالي ونحثكم على الاستمرار في سحب أبنائنا من محارق الاحتلال إلى حدودنا الوطنية وصولاً لانتفاضتكم الشعبية المباركة”، وأكد باعوم أن الإمارات لها أطماع تاريخية في أرض الجنوب ومقدراته، واتهم الإمارات بمحاولات ضرب النسيج الاجتماعي لتفتيته هادفاً القضاء على التصالح والتسامح المجتمعي.
وبسبب أهمية مناطق الجنوب، وفي حال توسّع المظاهرات سيتعيّن على السعودية والإمارات استدعاء قواتهما من منطقة الحديدة لإسكات المتظاهرين، كما أنّ القوات السعودية المشاركة في الحديدة أغلبهم من الجنوبيين وبالتالي هم غير مستعدين للقتال ضد أبناء قبائلهم، كما أن هناك قضية أخرى وهي حساسة جداً وتتعلق بالحدود الشرقية لليمن، حيث إن محافظة المهرة التي تعتبر البوابة الشرقية لليمن، تسيطر عليها في الوقت الحالي قوات عبد ربه منصور هادي المقرب من السعودية، وخلال العام الماضي وإلى يومنا هذا، تحاول السعودية نشر قواتها العسكرية في المحافظة نفسها، إلا أن إجراءاتها قوبلت بالرفض من سكان المحافظة وأعلنوا عصيانهم وعدم التنسيق معها حتى خروجهم من المدينة. وهنا أصبح التحالف المزعوم أمام مشكلة جديدة وهي توزّع قواته على جبهات كثيرة بين الحديدة وعدن والمهرة والتي يوجد بينها مسافات وفواصل كبيرة.
4- إن دائرة الكراهية لحرب التحالف السعودي الإماراتي ضد فقراء اليمن تتزايد كل يوم، حيث أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، يوم أمس السبت، أن 8 ملايين يمني فقدوا سبل عيشهم بسبب الحرب المشتعلة بالبلاد منذ نحو أربعة أعوام، واتهم صراحة أعضاء سعوديين وإماراتيين بالاغتصاب والتعذيب والاختطاف، وأضاف إنه في ظل فقدان اليمنيين لسبل عيشهم هناك 22.2 مليون يمني بحاجة للمساعدة الإنسانية”، وفي الوقت نفسه، أعلن التقرير الأخير لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 17000 شخص يمني قتلوا أو جرحوا خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية.
وتوسّعت هذه الكراهية لتشمل عدداً من الدول العربية، حيث انتقد الرئيس المصري السيسي، الذي تربطه صلات وثيقة بالسعودية، حرب الرياض ضد اليمن في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال: إن مصر تعارض أي استخدام خارجي للأزمة في سوريا واليمن وتتهم الأمم المتحدة بعدم قدرتها على حل الأزمة غرب آسيا وشمال إفريقيا رغم فلسفتها الخاصة.
ختاماً… تُظهر هذه النقاط أن الجميع قد ملّ من هذه الحرب الدنيئة، إلا أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا والإمارات والسعودية هي الدول الوحيدة التي تريد استمرار قتل الشعب اليمني رغم الفشل المطلق الذي ابتلوا به خلال هذه الحرب.