الطفلة التي لم تستطع النجاة من موتٍ محتّم أفرزه التحالف على بلدها
تعرّف العالم إلى بتول من خلال صورها التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في نيسان الماضي. هذه قصة الطفلة التي لم تستطع النجاة من موتٍ محتّم أفرزه التحالف على بلدها، كما يرويها في حديث إلى «الأخبار» الصحافي أحمد الغباري، الذي وجدها صدفةً في مستشفى في صعدة
فبتول كانت تزن خمسة كيلوغرامات فقط، في حين أن الوزن الطبيعي لطفلة في عمرها هو 20 كيلوغراماً»، يقول الصحافي أحمد الغباري. بتول الأنسي، طفلة يمنية لم يهز جسدها النحيل الرأي العام، ولم تستفز عظام قفصها الصدري الذي يكاد يمزّق جلدها الناشطين الحقوقيين والإعلاميين حول العالم، ولم تثر بطنها المنتفخة زعماء «دول العالم الأول» ولم تدفعهم إلى الاستنكار والبكاء على منابر الأمم المتحدة.
لم تنقذ بتول بشرتها السمراء وما تبقى من ملامحها «العربية» التي أخفاها بروز عظام وجهها، من العدوان والحصار «العربي» المفروض عليها وعلى البلد «العربي» الأشد فقراً وجوعاً. بتول، واحدة من بين ملايين الأطفال اليمنيين الذين إذا لم يسقطوا ضحية غارات تحالف الذي تقوده السعودية، سقطوا ضحية سوء التغذية الحاد، وإذا لم يسقطوا ضحية خواء أمعائهم، سقطوا ضحية وباء الكوليرا.
«اقتربت من الوالد مستفسراً عن سبب إخراجها وهي في هذا الوضع الحرج، فقال لي إنه لا يستطيع تحمّل نفقات العلاج، وبالتالي سيعود مع ابنته إلى مذاب، وهي قرية في محافظة صعدة، حتى ولو كان مصير ابنته الموت في بيتهم المتواضع المصنوع من طين»، يروي. والدُ بتول مزارع فقير، خسر مصدر رزقه عندما أمطرت طائرات تحالف العدوان القنابل العنقودية على الأراضي الزراعية في المحافظة، ما دفع معظم السكّان إلى النزوح أو البقاء وشبح الموت يلاحقهم كل يوم.
يخبر الصحافي اليمني أنه نشر صورة بتول على مواقع التواصل الاجتماعي في 14 نيسان الماضي، فوصلت قيمة التبرعات التي جمعت في 19 نيسان إلى 1,000 دولار أميركي من ناشطين وأفراد عاديين من أكثر من 30 دولة حول العالم. «بعد يومين، وصلت إلى صعدة لإنقاذ الطفلة بتول.
كانت رحلتي من صنعاء إلى مذاب صعبة جدّاً ومحفوفة بالمخاطر، في ظل تدمير طائرات التحالف البنى التحتية والجسور التي تربط المناطق بعضها ببعض. وفضلاً عن التعب الجسدي، الذي أدخلني إلى المستشفى، كانت حالتي النفسية سيئة، ولا سيما أن آخر اتصال مع والد بتول كان قبل يومين من وصولي إلى المحافظة، وبالتالي لم أكن أعلم إذا كانت الطفلة لا تزال على قيد الحياة.
وصلتُ إلى القرية ورأيت بتول خارج منزلها، وسط الغبار وهي لا تكاد تقوى على الحركة. بقيت بتول حوالى الشهر في المستشفى وتلقت العلاج المناسب وتعافت بشكل كامل».
يكمل الغباري: «فرحنا جميعاً بهذا الإنجاز وازدادت حماسة مستخدمي تويتر على مساعدة أطفال حالتهم شبيهة بحالة بتول. إلا أن فرحتنا لم تكتمل. في 24 تموز الماضي، تلقيت اتصالاً من والد بتول قال فيه إن ابنته قد توفّيت جراء الكوليرا وإن جثمانها سيُدفن في القرية».
بتول هي واحدة من 17 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي في البلد الذي دخل عامه الثالث من العدوان. وبينما ألقى الصراع بثقله على فئات المجتمع وشرائحه العمرية، فإنّ الأطفال، الذين يمثلون 50 في المئة من السكّان، يتحملون العبء الأكبر، إذ أعلنت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف)، أن «طفلاً يمنياً واحداً على الأقل يموت كل عشر دقائق بسبب سوء التغذية وأمراض يمكن الوقاية منها».
وبحسب المنظمة، التي تُعنى بالأطفال، فإنّ 2.2 مليون طفل يمني تحت سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد، بينهم نحو نصف مليون يطاولهم سوء التغذية «الحاد الشديد» (SAM)، وذلك في زيادة كبيرة «تصل إلى 200 في المئة مقارنة بعام 2014»، ما ينذر بـ«خطر وقوع البلاد في مجاعة».
وتُعتبر محافظة صعدة من ضمن المحافظات الخمس الكبرى التي تسجّل أعلى معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، في حين «تسجّل المحافظة أعلى معدلات التقزم بين الأطفال على مستوى العالم»، إذ يعاني «ثمانية من أصل عشرة أطفال في المحافظة من سوء التغذية المزمن»، وفق «يونيسف».
ويشير الخبراء إلى أن الطفل الذي يعاني من سوء التغذية معرّض بشكل أكثر للإصابة بالكوليرا. وهذا ما أكّده المتحدث باسم المنظمة في اليمن، محمد الأسعدي، الذي قال في حديث إلى «الأخبار» إن «نصف حالات الإصابة بالكوليرا هي من الأطفال»، وإن الوباء يشكّل «خطراً على الأطفال الذين يعانون سوء التغذية على وجه التحديد».
وفي هذا السياق، تشير منظمة «أنقذوا الأطفال» الدولية، إلى أن «طفلاً يمنياً واحداً يصاب بالكوليرا كل 35 ثانية». وحذرت المنظمة، الأسبوع الماضي، من أن «أكثر من مليون طفل في اليمن عرضة للموت أكثر من غيرهم بثلاثة أضعاف في حال إصابتهم بالكوليرا»، مشيرةً إلى أن «أنظمة المناعة لدى هؤلاء الأطفال أضعفها سوء التغذية الحاد».
وأواخر الشهر الماضي، حذّرت الأمم المتحدة من أن 80 في المئة من الأطفال في اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وأن حالتهم تتدهور «في ظل أسوأ تفشّ لوباء الكوليرا في العالم وسط أكبر أزمة إنسانية عالمية».